وأجاب الأوّلون : بأنّ الأمر يقتضي الصحّة شرعا ، لا لغة ، ونقول بمثله في النهي. وأنتم تدّعون دلالته لغة. ومثله ممنوع في الأمر.
والحقّ أن يقال : لا نسلّم وجوب اختلاف أحكام المتقابلات ، لجواز اشتراكها في لازم واحد ، فضلا عن تناقض أحكامها. سلّمنا ، لكن نقيض قولنا : « يقتضي الصحّة » : أنّه « لا يقتضي الصحّة » ، ولا يلزم منه أن « يقتضي الفساد ». فمن أين يلزم في النهي أن يقتضي الفساد؟ نعم يلزم أن لا يقتضي الصحّة. ونحن نقول به.
_______________________________
والتالي باطل بالاتّفاق.
أمّا الملازمة : فلأنّ المنهيّ عنه لو كان شرعيّا لكان صحيحا ، إذ الشرعى هو الصحيح المعتبر في نظر الشارع فما لا يكون صحيحا لا يكون شرعيّا ، كصوم يوم النحر والصلاة في الأوقات المكروهة فإنّهما لعدم كونهما صحيحين معتبرين في نظر الشارع ليسا بشرعيّين.
واجيب ـ على ما أشار إليه الحاجبي وفصّله في بيان المختصر ـ : بأنّ الشرعي ليس معناه هو المعتبر فى نظر الشارع ، فإنّ الشرعي قد يكون صحيحا وقد يكون فاسدا والدليل على أنّ الشرعي قد يكون فاسدا قوله عليهالسلام : « دعي الصلاة أيّام أقرائك » فإنّ الصلاة المأمور بتركها هي الصلاة الشرعيّة لأنّ اللغويّة لا يؤمر بتركها اتّفاقا ، وظاهر أنّ الصلاة المأمور بتركها فاسدة غير معتبرة في نظر الشرع.
أقول : والظاهر أنّ مبنى الجواب على جعل انتساب الشرعي إلى الشرع بواسطة أنّه ماهيّة مجعولة جعلها من الشارع.
ولا ريب أنّه لم يجعل إلاّ الماهيّة التامّة الأجزاء والشرائط ، فنهي الحائض عنها لا ينافي إتيانها بها بتمام أجزائها وشرائطها ، ولكنّه مبنيّ على عدم كون الخلوّ عن الحيض من الشروط المأخوذة مع الماهيّة في لحاظ الجعل والاختراع وهو كذلك على ما سنقرّره ونبيّن وجهه.
وثانيهما : أنّه لو لم يكن المنهيّ عنه الشرعي صحيحا لكان ممتنعا ، ولو كان ممتنعا لم يمنع عنه ، لأنّ الممتنع غير مقدور وغير المقدور لا ينهى عنه ، فيلزم من الشرطين أنّه لو لم يكن المنهيّ الشرعي صحيحا لم يمنع عنه.