وأجاب عنه اولئك : بأنّه إنّما يقتضي دلالته على الفساد ، وأمّا أنّ تلك الدلالة بحسب اللّغة ، فلا. بل الظاهر أنّ استدلالهم به على الفساد إنّما هو لفهمهم دلالته عليه شرعا ؛ لما ذكر من الدليل على عدم دلالته لغة.
والحقّ ما قدّمناه : من عدم الحجّيّة في ذلك. وهم وإن أصابوا في القول بدلالته في العبادات لغة ، لكنّهم مخطئون في هذا الدليل. والتحقيق ما استدللنا به سابقا.
الوجه الثاني لهم : أنّ الأمر يقتضي الصحّة ، لما هو الحقّ من دلالته على الأجزاء بكلا تفسيريه ، والنهي نقيضه ، والنقيضان مقتضاهما نقيضان. فيكون النهي مقتضيا لنقيض الصحّة ، وهو الفساد.
_______________________________
كلّها دون الصحّة بالمعنى المبحوث عنه في مسألتنا هذه وهي موافقة الأمر بالعبادة ، فإنّ الصحّة بهذا المعنى أخصّ منها بالمعنى الأوّل كما أنّ الفساد المقابل للصحّة بالمعنى الأوّل أخصّ منه بالمعنى المقابل للصحّة بالمعنى الثاني ، فقد يكون الشيء صحيحا بالمعنى الأوّل وفاسدا بالمعنى الثاني لانتفاء الأمر كما في صلاة المجنون مثلا لو فرض صدورها منه جامعة لأجزائها وشرائطها الواقعيّة ، فلا منافاة بين الصحّة بالمعنى الأوّل والفساد بالمعنى الثاني ، كما أنّه لا ملازمة بين الفساد بالمعنى الثاني والفساد بالمعنى الأوّل.
فالتفريع المذكور لا يقتضي إلاّ الصحّة بالمعنى الأوّل وهو لا ينافي الفساد بالمعنى الثاني الّذي ينشأ من النهي باعتبار استلزامه لانتفاء الأمر عن المورد ، والمبحوث عنه هنا إنّما هو الفساد بهذا المعنى لا غير هذا.
ولكنّ التفريع المذكور من مقتضى الاحتجاج الآتي لو كان من أبي حنيفة وصاحبيه ، وإن كان لا بدّ وأن يقيّد مع ذلك بمقدّمة اخرى وهي القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد مشتمل على جهتين :
إحداهما : راجعة إلى الماهيّة.
والاخرى : إلى الخصوصيّة.
وكيف كان فحكي الاحتجاج عليه بوجهين :
أحدهما : أنّه لو لم يدلّ النهي على صحّة المنهيّ عنه شرعا لكان المنهيّ عنه غير شرعي