وعن الثاني : بالمنع من دلالة الصحّة ، بمعنى ترتّب الأثر على وجود الحكمة في الثبوت ؛ إذ من الجائز عقلا انتفاء الحكمة في إيقاع عقد البيع وقت النداء مثلا مع ترتّب أثره ـ أعنى انتقال الملك ـ عليه. نعم ، هذا في العبادات معقول ؛ فإنّ الصحّة فيها باعتبار كونها عبارة عن حصول الامتثال ، تدلّ على وجود الحكمة المطلوبة ؛ وإلاّ لم يحصل.
_______________________________
تحريميّا لكفى في الجملة كما تقدّم ، نظرا إلى أنّ الحرمة الّتي لا تجامع الوجوب أو الندب في العبادات معنى لغوي ولا تجامعه في نظر العرف والعقل معا ، وهي في المعاملات تستلزم الفساد عرفا وظاهر أنّ العرف في غير موضع الاختلاف كاشف عن اللغة ، مع امكان أن يقال : إنّ المراد بالدلالة لغة ما يعمّ الدلالة العرفيّة ولو بالالتزام.
ولنختم المقام بإيراد الكلام في امور :
الأمر الأوّل : عن أبي حنيفة وصاحبيه بل تلميذيه أبي يوسف ومحمّد بن الحسن الشيباني من منكري دلالة النهي على الفساد مطلقا القول بدلالته على الصحّة.
وفي المنية : أنّه أطبق الجمهور من المعتزلة والأشاعرة على خلافه.
والظاهر أن ليس مرادهم من الدلالة على الصحّة كون النهي واسطة في إثبات الصحّة بحيث لو لاه لم يكن الانتقال إليها حاصلا ، فإنّه خارج عن موضوع البحث على ما تقدّم في مقدّمات المسألة من أنّ النزاع في دلالة النهي على فساد المنهيّ عنه بعد ما ثبت له جهة صحّة من عموم أو إطلاق في دليل مشروعيّة العبادة أو المعاملة بحيث رجع الدلالة على الفساد إلى تخصيص ذلك الدليل أو تقييده ، بل المراد به كونه ملزوما للصحّة من دون تأثير له فيها ، حملا للمنهيّ عنه عليها عملا بعموم أو إطلاق مقتضيها ، وهذا بعينه هو قول منكري دلالته على الفساد مطلقا.
وملخّصه : أنّ النهي لا ينافي صحّة المنهيّ عنه ولا يعارض المقتضي لها بل المقتضي لها معه باق على اقتضائه ، فصحّ أن يقال : إنّه يدلّ على الصحّة ولكن بواسطة أنّه لا يعارض المقتضي لها ولا يوجب الخروج عن عمومه أو إطلاقه.
وبهذا التوجيه يندفع ما احتجّ به في المنية على بطلان هذا القول من أنّه لو دلّ عليها لكان إمّا بلفظه أو بمعناه والتالي بقسميه باطل ، لعدم كون لفظ « النهي » موضوعا لصحّة المنهيّ عنه ولا لملزومها.