يدلّ على ذلك : أنّه يجوز عند العقل وفي العرف أن يصرّح بالنهي عنها ، وأنّها لا تفسد بالمخالفة ، من دون حصول تناف بين الكلامين* (١). وذلك دليل على عدم اللزوم بيّن.
حجّة القائلين بالدلالة مطلقا بحسب الشرع لا اللّغة : أنّ علماء الأمصار في جميع الأعصار ، لم يزالوا يستدلّون على الفساد بالنهي في أبوابه** (٢) ، كالأنكحة والبيوع وغيرها. وأيضا لو لم يفسد ، لزم من نفيه حكمة يدلّ عليها النهي ، ومن ثبوته حكمة تدلّ عليها الصحّة. واللاّزم باطل ؛ لأنّ الحكمتين ، إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا ، وكان الفعل وعدمه متساويين ، فيمتنع النهي عنه ؛ لخلوّه عن الحكمة*** (٣). وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فهو أولى
_______________________________
(١) * فيه : أنّ قصارى ما يلزم من ذلك نفي اللزوم العقلي دون اللزوم العرفي ، لأنّه مبنيّ على الظهور المبتني على تجرّد الخطاب عن قرينة الخلاف ، والتصريح المذكور على فرض وقوعه قرينة تكشف عن عدم اعتبار الظهور ، ومعقد البحث إنّما هو النهي المجرّد عن نحو هذه القرينة ، فلا يبقى للمانع إلاّ جواز التصريح عقلا وهو مسلّم ولكنّه بمجرّده لا يصلح صارفا عن الظهور العرفي وباعثا على رفع اليد عنه كما لا يخفى.
(٢) ** فيه : أنّه إن اريد به الوضع الشرعي الثابت بإجماع العلماء فأصل الوضع ثمّ الإجماع عليه كلاهما ممنوعان ، وإن اريد به التبادر الكاشف عن الدلالة ولو عند جماعة غير بالغة حدّ الإجماع فهو على فرض تسليمه لا يقضي بكونه لأمر مختصّ بالشرع ، لجواز كونه لأمر يرجع إلى العرف واللغة اللذين ورد على طبقهما خطاب الشرع ، كما يرشد إليه الضرورة القاضية بأنّ الشارع لم يتصرّف في الأوامر والنواهي تصرّفا محدثا لاصطلاح خاصّ له فيهما مغاير للعرف واللغة ، ولو لا الضرورة لكفانا الأصل في نفي هذا التوهّم ورفع هذا الاحتمال السخيف.
(٣) *** وأوّل ما يرد عليه : عدم التئام أجزائه بعضها مع بعض ، وذلك لأنّ القانون في القياس الاستثنائي أن يكون النفي الوارد في بيان بطلان التالي راجعا إلى ما اخذ لازما في أصل القياس وهو في المقام ليس كذلك ، فإنّ الّذي أخذ لازما فيه إنّما هو وجود حكمتين