سببا واقعيّا ومؤثّرا في نفس الأمر ، ومعناه انتفاء السببيّة عنه في نفس الأمر.
وبما ذكرناه من البيان على التشريع الجعلي أخيرا يندفع ما عساه يورد على البيان الأوّل من أنّ خلوّ بعض أفراد المعاملة عن فائدة الجعل بواسطة منع الشارع عن استعمال ذلك الفرد لا يوجب خلوّ أصل الجعل المتعلّق بماهيّة المعاملة ونوعها من حيث هو نوع عن الفائدة ، فإذا حصلت الفائدة في ضمن ما عدا ذلك الفرد من الماهيّة خرج جعلها عن كونه لغوا ، فحينئذ لا مانع عن منع بعض الأفراد صونا عن قبح ومنقصة فيه وإن استلزم ذلك المنع عدم ترتّب الفائدة المفروضة على ذلك الفرد بالخصوص على تقدير الإطاعة واتّباع المنع المفروض ، وإلاّ فعلى تقدير العصيان كانت الفائدة مترتّبة من غير قصور ، وليتأمّل في كلّ ما قرّرناه في تحقيق المقام فإنّ كلّه دقيق.
وقد يفصّل في المقام ويقال : إنّ النواهي المستعملة في المعاملات على أنحاء :
أحدها : ما يراد به حرمة إيجاد السبب من غير نظر إلى المسبّب على حدّ سائر الأفعال المحرّمة الّتي لا ينظر فيها إلى مسبّباتها كما في النهي عن البيع وقت النداء.
وثانيها : ما يراد به حرمة المسبّب خاصّة كالنهي عن بيع المصحف أو المسلم من الكافر على القول بحصول الملك له مع وجوب إجباره على البيع إخراجا لهما عن ملكه.
ثالثها : ما يراد به عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة عند المتعاملين كما في بيع المصحف والمسلم من الكافر أيضا ولكن على القول الآخر.
والفرق بين الوجوه أنّ الأوّل لا يفيد حرمة في المسبّب ، بل حرمة السبب أيضا لا توجب حرمة المسبّب ، بل قد يكون الآثار ممّا يجب ترتّبها كما في سائر الأسباب الشرعيّة كالقتل الموجب للقصاص أو الدية والسرقة الموجبة لقطع اليد وما أشبه ذلك ، وكما أنّ حرمتها لا توجب حرمة مسبّباتها فكذلك فيما نحن فيه.
بخلاف الثاني فإنّ السبب لا حرمة له فيه إلاّ من باب المقدّمة إن قلنا بحرمة سبب الحرام ، بل المبغوضيّة منحصرة في المسبّب فيجب على المكلّف رفع المسبّب وإعدامه وإن امتنع صاحب الواقعة يقوم به الحاكم ولاية والعدول حسبة ، إلاّ إذا نفعه الإجبار فيجبر.
وأمّا الثالث فلا يوجب حرمة لا في السبب ولا في المسبّب.
وأيضا لازم الأخير فساد المعاملة بل لا يكون إلاّ منبعثا عنه وناشئا منه بخلاف الأوّلين.
وأيضا النهي على الأوّلين شرعيّ وعلى الأخير إرشاديّ.