الحيثيّة فكشف عن عدم شمول إمضاء الشارع لهذا المورد ، كما أنّ النهي والمنع عن الميسر والأنصاب والأزلام في آية ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ )(١) كشف عن عدم إمضاء الشارع هذه المعاملات مع تداولها بين الناس قبل ورود الشرع ، ولا نعني من فساد المعاملة الّتي مبنى تشريعها على إمضاء الشارع إلاّ ما لم يمضه الشارع.
نعم ربّما يشكل إثبات الفساد بمجرّد التعلّق بنهي التحريم فيما ثبت كون تشريعه من باب الجعل أو الكشف عن الواقع لعدم المنافاة حينئذ بين الحرمة والصحّة بمعنى ترتّب الأثر ، كما في التقاء الختانين الّذي هو سبب لثبوت المهر ووجوب الغسل مع أنّه قد يكون محرّما ونحوه الظهار ، ونحوهما الضرب بالسيف وإلقاء الشيء في النار حيث إنّ الأوّل سبب للقطع والثاني سبب للإحراق مع أنّهما في كثير من أفرادهما محرّمان.
ويمكن الذبّ فيما كان تشريعه من باب الجعل بأن يقال : بكون التشريع على هذا الوجه متضمّنا للإذن في الاستعمال لأنّه إنّما حصل لفائدة لا يتأتّى إلاّ بالاستعمال ، كحفظ الأموال والنفوس وصيانة الأنساب والفروج ونظم معيشة بني نوع الإنسان وغير ذلك ممّا قصد من أنواع البيوع والأنكحة وسائر العقود وغيرها من الإيقاعات فيجب الإذن فيه لئلاّ يفوت الجعل عليه بلا فائدة.
ولا ريب أنّ التحريم حيثما ثبت ينافيه ومعه لا مناص من الفساد ، إذ عدمه ملازم للجعل على الفرض وهو مع المنع من الاستعمال لغو وعبث.
هذا مع إمكان التعلّق أيضا بالعرف بأن يقال : إنّ النهي في نظره ظاهر في نفي السببيّة أيضا من حيث إنّه بمضمونه متعرّض لمضمون ما دلّ على الجعل من الجهة الّتي تعلّق به الجعل ، فيكون مخرجا للمورد كائنا ما كان عن المجعول سببا ، ومعناه اختصاص الجعل الشرعي بما عداه ولا نعني من الفساد إلاّ هذا.
ويمكن طرد هذا الكلام إلى ما كان تشريعه على وجه الكشف عن الواقع أيضا ، بدعوى : أنّ النهي في نظر العرف ظاهر في نفي السببيّة الواقعيّة أيضا بملاحظة أنّه بمضمونه متعرّض لمضمون ما دلّ على السببيّة الواقعيّة من باب الكشف عن الواقع من هذه الجهة الّتي كشف عنها ذلك الدليل فيكون مخرجا للمورد كائنا ما كان عن المكشوف كونه
__________________
(١) المائدة : ٩٠.