جميع الموارد كوقوع النواهي عقيب خطاب التشريع الموجب لتوهّم الصحّة ، فلا محلّ للشكّ حتّى يلحق بالأعمّ الأغلب ، فيرجع إلى ما قرّرناه من فهم العرف بملاحظة القرينة المذكورة.
وأمّا استدلال العلماء والإجماع فلمنع كون مبناهما على صرف النهي إلى الإرشاد كما هو المراد ، لإمكان إثبات الفساد بالنهي التحريمي أيضا كما ستعرفه.
وعن فخر المحقّقين الاستدلال بأنّ إمضاء المعاملة المبغوضة خلاف اللطف ، والنظر فيه أوضح إن أراد به اللطف الواجب ، لكفاية النهي المفروض في العمل بمقتضاه إن لم يناف أصل الإمضاء فلا حاجة إلى اعتبار عدم الإمضاء كما لا يخفى ، وإن أراد به غيره فلا يجديه نفعا لكثرة ما يتّفق في الألطاف الغير الواجبة من الترك والتسامح.
ثمّ إنّ ما ذكرناه من الإرشاد في النواهي المفروضة إنّما هو مقتضى الأصل الثانوي المستنبط من متفاهم العرف ، وظاهر أنّ هذا الأصل إنّما يجدي إذا لم ينهض في اللفظ أو العقل ما يقضي باعتبار خلافه ، فالحمل على الإرشاد حينئذ إنّما يصحّ حيث لم يقم من الخارج قرينة إرادة التحريم ومعه يختلف حكم الفساد بحسب اختلاف الموارد ، ففي المنهيّ عنه لعينه أو لجزئه أو شرطه أو وصفه الداخل أو الخارج يحكم بالفساد إذا كان النهي نفسيّا ، لأنّ أهل العرف يفهمون من أمثال هذه النواهي كون المعاملة من حيث إنّها معاملة مقصود منها السببيّة والتأثير فيما قصد منها من الآثار محرّمة ، وهو بملاحظة كونه متعرّضا في فهم العرف لدليل تشريع تلك المعاملة يستلزم فساد المورد ، بناء على أنّ التشريع في المعاملات كلاّ أو جلاّ إنّما ثبت من باب الإمضاء لطريقة العرف فيما يتداولونه ويتعاملون به من أنواع الاكتسابات وغيرها من العقود والإيقاعات.
والسرّ في ذلك : أنّ كلّ دليل كان بمضمونه متعرّضا لمضمون دليل آخر فإنّما يتعرّضه من الجهة المأخوذة في ذلك المضمون من حيث إنّه مضمون ذلك الدليل.
ولا ريب أنّ دليل إمضاء أنواع المعاملات العرفيّة مفاده الرخصة في استعمالها من حيث إنّها منشأ لآثار وأسباب لمسببّات ، نظرا إلى أنّ أهل العرف كانوا يتعاملون بها من هذه الحيثيّة وإذ ورد عليها إمضاء الشارع كان إذنا في استعمالها من هذه الحيثيّة أيضا ، فإذا فرض نهي تحريمي عنها في بعض صورها أو عن بعض أفرادها كشف عن كون المنهيّ عنه مبغوضا في نظر الشارع من هذه الحيثيّة.
ولا ريب أنّ المبغوضيّة بل المنع الناشئ عنها ينافي الإذن في الاستعمال من هذه