أو نفي السببيّة ، بخلاف ما كان للإرشاد لصحّة تعليله بالفساد ونفي السببيّة.
ومن هذا البيان وملاحظة الضابط المذكور [ ظهر ] أنّ ما كان لمفارق متّحد أو غير متّحد في الوجود كالمكالمة مع الأجنبيّة في البيع والنظر إليها فيه أيضا ، غير متعرّض لسببيّة البيع لا بنفي ولا بإثبات كما هو واضح.
وقد يستند فيما استظهرناه من النواهي المبحوث عنها من الإرشاد والتعليم إلى الاستقراء ، فإنّ استقراء الموارد وتتبّع النواهي الواردة في أبواب المعاملات يوجب القطع بكون جلّها والأغلب منها مستعملة في هذا المعنى ومحلّ الشكّ يلحق بالأعمّ الأغلب ، والاستقراء وإن لم يكن معتبرا في الأحكام الشرعيّة إلاّ أنّه في الامور اللغويّة أو العرفيّة معتبر.
وربّما ايّد ذلك أيضا باستدلال العلماء خلفا عن سلف بالنواهي الواردة في المعاملات على الفساد من غير نكير ، كما يفصح عنه تصفّح أبواب البيوع والأنكحة والطلاق والصيد والذباحة حيث يستندون فيها إلى مجرّد النهي ويحكمون من جهته بالفساد.
وإن شئت لاحظ كلام الشيخ في المبسوط قائلا في بحث الاستنجاء : « كلّما قلنا لا يجوز استعماله لحرمته أو لكونه نجسا إن استعمل في ذلك ونقى به الموضع لا يجزي لأنّه منهيّ عنه والنهي يقتضي الفساد ».
بل يدلّ عليه الإجماع الّذي ادّعاه السيّد في الذريعة والشيخ في العدّة والفاضل النراقي في الأنيس (١) على ما حكي عنهم ، بل وطائفة من المتأخّرين وجماعة من العامّة على ما قيل ، والظاهر أنّ مدرك الجميع هو الاستقراء المتقدّم ذكره ، فإنّ استقراء الموارد العرفيّة والشرعيّة أوجب الظهور في لفظ « النهي » ومنه انبعث عمل العلماء وانقدح دعوى الإجماع.
والكلّ منظور فيه حتّى الاستقراء في العرفيّات ، فإنّ صرف النهي في كلّ واحد من آحاد مورد الغالب إلى الإرشاد إن كان لجهة خاصّة وهي القرائن الجزئيّة المختصّة فلا معنى لإلحاق ما ليس فيه قرينة مجاز بها في الصرف إلى المعنى المجازي ، ولذا لا يعدّ من المجازي ما غلب استعماله بقرينة مختصّة وإن كان لجهة عامّة وهي القرينة المشتركة بين
__________________
(١) أنيس المجتهدين : في اصول الفقه للمولى مهدي بن أبي ذرّ النراقي المتوفّى سنة ١٢٠٩ أوّله : ( الحمد لله الّذي جعل الاصول وسيلة للصعود على مدارج حقائق المباحث الشرعيّة ) رتّبه على مباحث ذوات أبواب ذوات فصول فجعل البحث الأوّل في المقدّمات فيه أبواب وفي كلّ باب فصول ، وذكر بعد كلّ مسألة اصوليّة فرعا فقهيّا يتفرّع عليها وتاريخ فراغه سنة ١١٨٦ الخ ... » [ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢ : ٤٦٢ ].