المندوحة فلا خلاف في عدم جوازه ، وهو الّذي يعبّر عنه : « بالاجتماع الآمري » الّذي اتّفق الفريقان على امتناعه ، لكن هذا حيث لم يكن المكلّف بنفسه سببا للاجتماع فأمّا إذا كان هو السبب في اجتماعهما بأن يفعل باختياره فعلا أوقعه في التكليفين بلا مندوحة ولا مجال من امتثالهما معا وقد يعبّر عنه : « بما لا يمكن الانفكاك بينهما في شيء من الجانبين » ففي جوازه والعدم خلاف على أقوال ، وفرضوا المسألة فيمن توسّط دار مغصوبة فهل يكون مأمورا بالخروج ومنهيّا عنه؟ وإذا خرج كان مطيعا عاصيا.
فعن أبي هاشم ـ على ما في مختصر الحاجبي وشرحه الموسوم بالبيان ـ أنّه يكون عاصيا بالخروج والإقامة معا فيكون الخروج مأمورا به ومنهيّا عنه.
ووافقه بعض الأعلام (١) ناسبا له إلى أكثر أفاضلي متأخّرينا ، وعن فخر الدين الرازي أنّه عاص بالخروج استصحابا لحكم المعصية مع كونه واجبا عليه غير منهيّ عنه.
ووافقه من أصحابنا بعض الفضلاء (٢) وابن عمّنا السيّد (٣) طاب ثراهما وقيل : إنّه مأمور بالخروج وليس منهيّا عنه ولا معصية عليه ، وعزى إلى ابن الحاجب وفيه منع لأنّ التأمّل في كلامه يعطي اختياره القول بالتفصيل كما ستعرفه عن السيّد.
ويظهر من بعض الأعاظم عكس ذلك وهو كونه منهيّا عن الخروج حيث قال : « والحقّ أنّه لا أمر بالخروج هنا بل الواجب عليه عدم التصرّف في ملك الغير بغير إذنه والخروج هنا مقدّمة له وليس واجبا » (٤).
ويظهر من السيّد التفصيل بين كون الخروج بنيّة التخلّص فيكون مأمورا به أو بنيّة الفساد فيكون منهيّا عنه (٥) وإليه [ ينظر ] كلام ابن الحاجب في مختصره حيث صرّح بالقطع بنفي المعصية وقيّده بما فسّره شارح البيان بقوله : « وإذا تعيّن الخروج لكونه متعلّقا للأمر يجب أن يقطع بنفي المعصية لأجل الأمر بالخروج ، لكن بشرط نفي المعصية عن نفسه وهو أن يقصد الخروج عن الغصب ، فإنّه لو قصد بالخروج التصرّف في ملك الغير لم ينتف المعصية عنه ، أمّا لو قصد الخروج عن المعصية يكون الخروج حينئذ مأمورا به والمأمور به لا يكون معصية » انتهى.
ولنا في المقام إشكالان :
أحدهما : ما يتوجّه إلى القول بكون الخروج مأمورا به على الإطلاق أو في الجملة ،
__________________
(١) القوانين ١ : ١٥٣.
(٢) الفصول : ١٣٨.
(٣) ضوابط الاصول : ...
(٤) إشارات الاصول : ١١٣.
(٥) الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ١٧٨.