باعتبار كونه واحدا لا يكون حسنا وقبيحا ولا يجدي تغاير المحلّ بحسب العقل لأنّ الوصف لم يثبت له باعتباره » انتهى (١).
وها هنا وجه رابع استدلّ به الفاضل التوني بعد ما استدلّ بالوجهين المتقدّمين وهو : « أنّ هذا ينافي اللطف إذ المكلّف حينئذ مقرّب للمكلّف إلى المعصية كما لا يخفى » (٢).
ووجه خامس أشار إليه بعض الأعلام في طيّ كلماته وهو : « أنّ العبادة لا بدّ فيها من نيّة التقرّب وهي حين اجتماعها مع المعصية غير ممكنة » (٣) ولعلّه إلى ذلك أو سابقه ينظر ما حكاه بعض الأعاظم (٤) من أنّ الأمر المبعّد عن الله تعالى كيف يصير مقرّبا إليه حين ما هو مبعّد؟ والموجب لدخول النار كيف يصير موجبا لدخول الجنّة؟ بل المقرّب إلى العقاب مبعّد عن الثواب والمقرّب إلى الثواب مبعّد عن العقاب فكيف يجدي تعدّد الجهة.
ووجه سادس حكاه بعض الأعاظم منضمّا إلى الوجه المذكور وأشار إليه بعض الأعلام أيضا وهو : « أنّه إذا أراد المصلّي أن يركع كيف يقول الله : لا تركع هذا الركوع البتّة ولو ركعت لعاقبتك ؛ ويهدّد ويخوّف على الفعل ، ومع ذلك يقول له : اركع هذا الركوع أو غيره أيّهما شئت ، ولو تركت لعاقبتك ، ويهدّد ويحذّر على الترك » (٥).
فهذه وجوه ستّة استدلّ بها على القول بالامتناع إلاّ أنّ المعتمد والمعوّل عليه هو الوجه الأوّل ودونه الوجه الثاني لوضوح فساد الباقي ، ولا بأس بأن نفصّل القول فيها وعليها فنقول :
أمّا الوجه الأوّل : فمبنى الاستدلال به على مقدّمات اشير إليها في متن الدليل.
اولاها : أنّ الوجوب والحرمة متضادّان لمضادّة جنس كلّ منهما لفصل الآخر كما تقدّم الإشارة إليه ، مضافا إلى أنّهما يستتبعان صفات متضادّة اخر نشير إليها في ذيل الكلام.
وثانيتها : أنّ الوجوب والحرمة يتعلّقان بإيجاد الماهيّة وعدم إيجادها وكذلك سائر الأحكام كما يشهد به الوجدان الصريح والطبع السليم مضافا إلى أنّه المتبادر من الأمر والنهي ، فقولنا : « اضرب أو لا تضرب » يتبادر منه : « أوجد الضرب أو لا توجد الضرب » كما أنّ « ضرب » و « يضرب » يتبادر منهما أوجد الضرب ويوجد الضرب ، وقد سبق منّا تحقيق هذا المقام في غير موضع من الكتاب ، فالقول بأنّ الأحكام تتعلّق بالطبائع معناه : أنّها تتعلّق بها باعتبار إيجاداتها ، ولو وجد في بعض العبارات التعبير بأنّها تتعلّق بها باعتبار وجوداتها
__________________
(١) الفصول : ١٢٦.
(٢) الوافية : ٩٢.
(٣) القوانين ١ : ١٤٥ نقلا بالمعنى.
(٤ و ٥) إشارات الاصول : ١١٢.