بالكسر ، فيكون مبنى الاستدلال حينئذ على استحالة تحقّق التكليفين من شخص واحد في أمر واحد لما بينهما من المضادّة والتنافي الموجب لاستحالة اجتماعهما في محلّ واحد.
واحتمال عوده إلى الإيجاد وعدم الإيجاد فالجمع المحكوم عليه بالامتناع حينئذ يراد به ما يكون فعل المكلّف بالفتح ، فيكون مبنى الاستدلال حينئذ على لزوم التكليف بالمحال الّذي مداره على تعذّر امتثال التكليفين لامتناع الجمع بين الإيجاد وعدمه في آن واحد.
وهذان الوجهان قد اعتمد على كلّ منهما جماعة منهم الفاضل التوني في الوافية فأشار إلى أوّلهما بقوله : « إذ امتناع كون الشيء الواحد مرادا ولو على جهة التخيير وغير مراد بل مبغوضا لشخص واحد في غاية الظهور » وإلى ثانيهما بقوله : « وتعلّق الوجوب التخييري به يوجب الرخصة من الحكيم باختياره ، مع استلزامه حينئذ امتناع الإطاعة في طرف النهي » (١).
ومن الفضلاء من احتجّ ـ مضافا إلى الوجه الأوّل ـ : « بأنّ قاعدة التحسين والتقبيح على ما تقرّر عندهم قاضية بأنّ الأمر يستتبع حسنا في المأمور به والنهي يستتبع قبحا في المنهيّ عنه ، فمتى اجتمعت الجهتان في شيء فإمّا أن يتكافئا فيرجع حكمه إلى الإباحة ، أو يترجّح إحداهما على الاخرى فيرجع في حكمه إلى أحد الأحكام الأربعة بحسب مراتب الرجحان واختلافه ، فالفرد الّذي وجدت فيه الطبيعتان متّحد معهما في الخارج وقد حاز الجهتين على ما هو قضيّة الأمر والنهي ، وحينئذ فإمّا أن يتكافئا أو يترجّح إحداهما على الاخرى ، فكيف كان فلا يتحقّق الاجتماع.
والّذي يكشف عمّا ذكرنا أنّ الحسن والقبح وإن كانا من الامور الاعتباريّة لكنّهما من لواحق الامور الخارجيّة ، يعني أنّهما أمران يثبتان في العقل للأفعال الخارجيّة باعتبار كونها خارجيّة »
إلى أن قال : « فظهر أنّ الحسن والقبح إنّما يعرضان الطبائع باعتبار وجوداتها الخارجيّة ، والعقل إنّما يحكم عليها بأحد الوصفين باعتبار الخارج ، فثبوتهما من قبيل ثبوت الوحدة للواحد والزوجيّة للاثنين لا من قبيل الجنسيّة للحيوان والفصليّة للناطق فإنّ لحوقهما بحسب الوجود الذهني لا غير ، ولا ريب في أنّ الطبيعتين بهذا الاعتبار ـ أعني اعتبار الخارج ـ متّحدتان على ما مرّ فيمتنع أن يتّصف إحداهما بالحسن والاخرى بالقبح ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى اتّصاف الشيء الواحد بهما وهو مستحيل ، ضرورة أنّ الشيء الواحد
__________________
(١) الوافية : ٩٢.