ـ كما تقدّم في عبارة بعض الفضلاء في احتجاجه (١) ـ فهو مبنيّ على القول بأنّ الإيجاد والوجود لا تغائر بينهما إلاّ بالاعتبار ، فالوجود حينئذ يراد به ما يرجع إلى الإيجاد لا غير فلا تغاير بين العبارتين بالذات ، ولا ينافي ما ذكرناه كون موادّ الأوامر والنواهي بحسب أوضاعها اللغويّة على ما في كتب اللغة هي الطبائع المجرّدة المأخوذة معرّاة عن الإيجاد ، لأنّ تبادر الإيجاد حسبما ذكرناه من مقتضيات مدلول الصيغة وغيرها من اللفظ الدالّ على الحكم الاقتضائي أو التخييري الّذي لا بدّ في تعلّقه من اعتبار الإيجاد.
وثالثتها : أنّ الإيجاد حيثما تحقّق من موجده في الخارج شيء واحد يقع على نمط واحد ولا يقبل التفاضل ولا التعدّد وإن تعدّدت إضافاته باعتبار تعدّد الماهيّة المضاف إليها الإيجاد ، فهو كالعرض اللاحق للعين الّذي لا يتعدّد بتعدّد إضافاته إلى العناوين الصادقة على العين ، مثل سواد العباء الصادق عليه الصوفيّة والمغزوليّة والمنسوجيّة والملبوسيّة.
وقضيّة هذه المقدّمات استحالة اجتماع الوجوب والحرمة فيه ، وإلاّ لزم كون إيجاد واحد حقيقي مطلوبا وممنوعا ككون عدمه مطلوبا وممنوعا ، بل لزم كون كلّ منهما راجحا ومرجوحا مرادا ومكروها محبوبا ومبغوضا وكلّ ذلك ممّا يقضي الضرورة بامتناعه ، بل امتناع اجتماع المتضادّين في محلّ واحد من ضروريّات العقول فضلا عن اجتماع المتضادّات من جهات شتّى.
لا يقال : إنّ متعلّق الأمر ليس هذا الإيجاد الخاصّ بل مطلق إيجاد الماهيّة ، وهو أيضا كلّي له أفراد وهي الإيجادات الخاصّة المتمايزة بخصوصيّات الأمكنة وغيرها الّتي منها هذا الإيجاد الخاصّ ، والوجوب إنّما تعلّق بكلّي الإيجاد لا بهذا الإيجاد الخاصّ ، فهذا بمقتضى تكرار النهي ليس إلاّ محرّما ولا تكرار في الأمر ، فلا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة في محلّ واحد من فرض كون المكلّف مطيعا وعاصيا لإتيانه بما ينطبق على الماهيّة المأمور بإيجادها الكلّي.
لأنّا نقول : نعم ، ولكن وجوب الإيجاد الكلّي تعيينا يستتبع وقوع الوجوب تخييرا في الإيجادات الخاصّة المندرجة تحته ، والوجوب التخييري أيضا ممّا يستحيل اجتماعه مع التحريم التعييني ، ضرورة أنّ مطلوبيّة هذا الإيجاد الخاصّ على تقدير عدم حصول الماهيّة بإيجاد آخر يضادّ ممنوعيّته على كلا تقديري حصولها بإيجاد آخر وعدم حصولها.
__________________
(١) الفصول : ١٢٦.