لنا : أنّ الأمر طلب لا يجاد الفعل ، والنهي طلب لعدمه ؛ فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع* (١).
_______________________________
ولا يطالب بالدليل ، والسرّ فيه : أنّ ضرورة العدم قيد زائد على أصل العدم وقد ادّعاه القائل بالامتناع ، وعلى المدّعي للزيادة إقامة الدليل عليها والمدّعي للإمكان منكر للزيادة والأصل عدم الزيادة فلا محمل له إلاّ القاعدة العقلائيّة ، فيكون مدركه بناء العقلاء وقد أمضاه الشرع كما يكشف عنه في الجملة أصالة عدم الزيادة وقاعدة البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فتأمّل.
الجهة الثانية
الاصول اللفظيّة المعمولة عند الشكّ في حكم اللفظ من جهة احتمال تطرّق تصرّف إليه بتقييد أو تخصيص أو غيرهما ، وظاهر أنّ أصالة عدم تقييد المأمور به أو المنهيّ عنه بما عدا مورد الاجتماع من أفراد إحدى الماهيّتين يساعد على القول بالجواز أيضا.
الجهة الثالثة
الاصول العمليّة من براءة أو اشتغال أو استصحاب أو تخيير ولا يجري من هذه الاصول إلاّ أصل الاشتغال ، لمكان الشكّ في كون الإتيان بمادّة الاجتماع مبرئا للذمّة عن المأمور به باعتبار الشكّ في شمول الأمر له وعدمه ، والشغل اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة ولا يتأتّى إلاّ بأداء ما عدا ذلك ، ويعضده استصحاب الاشتغال.
وتوهّم جريان أصل البراءة لرجوع الشكّ إلى كونه في شرطيّة شيء للعبادة كإباحة المكان للصلاة في المثال المعروف.
يدفعه : دليل الخلف ، إذ الشكّ في الإبراء وعدمه ليس من جهة الشكّ في الشرطيّة والإخلال بما احتمل كونه شرطا شرعيّا ، بل من جهة الشكّ في مزاحمة النهي للأمر عقلا ، ولا يمكن نفي احتمال المزاحمة بأصل البراءة كما لا يخفى.
(١) * لا يخفى أنّ العبارة في قوله : « فالجمع بينهما » في بادئ الرأي متشابه المقصود ، وإن كان في قوله بعد ذلك : « إذ الامتناع ينشأ من لزوم اجتماع المتنافيين في شيء واحد » إلى آخره ، ما يوجب البيان ورفع الاشتباه ، لاحتمال عود الضمير المثنّى إلى طلب الإيجاد وطلب عدم الإيجاد ، فالجمع المحكوم عليه بالامتناع يراد به حينئذ ما هو فعل المكلّف