على استحالة الخروج عن العهدة ، فلا يفرق فيها بين كونها ناشئة عن امتناع المتعلّق أو اجتماع تكليفين متضادّين في محلّ واحد إذا ناقض جنس كلّ لفصل الآخر كالمقام ، فلا يتأتّى امتثالهما إلاّ بالجمع بين الفعل والترك وهو مستحيل ، بل لم نقف على من جوّزه إلاّ في قول شاذّ عن بعض الأشاعرة لتجوّزه التكليف بالمحال عقلا وشرعا.
وأمّا القائلون منهم بجوازه عقلا لا شرعا فلا يجوّزونه أيضا تمسّكا بقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(١) كما في بيان المختصر.
وقد يقال : بأنّهم أيضا مطبقون على عدم الجواز هنا وإن كان يجوّزون التكليف بالمحال ، لكونهم إنّما يجوّزونه في كلّ موضع يقول العدليّة بجواز التكليف فيه بدعوى رجوع نزاعهم إلى الصغرى بعد اتّفاق الفريقين على التكليف فيه ، كالأمر بالصلاة ونحوها ، فإنّهما بعد اتّفاقهما عليه اختلفوا في كونه تكليفا بالمحال وعدمه ، فالأشاعرة على الأوّل لزعمهم كون العباد مجبورين في الأفعال ، والعدليّة على الثاني لقولهم بكون العبد فاعلا مختارا ، وهو كما ترى ليس على ما ينبغي وكأنّه ناش عن عدم الخبرة بطريقة الأشاعرة ، فإنّهم يجوّزون أصل التكليف بالمحال وإن كانت الاستحالة ناشئة عن غير جهة الجبر ، وقد سبق في بحث أمر الآمر مع علمه بانتفاء الشرط ما يرشد إلى ذلك.
والصورة الثانية : ما لو تعلّق الأمر والنهي بشيء واحد شخصيّ لجهتين مندرجتين في الأوصاف اللازمة ، كما لو قال : « أكرم زيد الناطق » و « لا تكرم زيدا الضاحك » أو قال : « أكرم زيدا لسرور أبيه » و « لا تكرمه لإهانة عدوّه » ولم نقف على من أحاله إلاّ الفاضل النراقي في إلحاقه له بالواحد الشخصي من جهة واحدة ، وكأنّه لزعم تعذّر الامتثال من جهة عدم اتّفاق فعله امتثالا للأمر إلاّ ويصدق فعله للجهة المحرّمة ، ولا اتّفاق تركه امتثالا للنهي إلاّ ويصدق عليه الترك للجهة الواجبة ، فيستحيل الجمع بينهما في الامتثال.
وفيه : أنّه لا يستقيم إلاّ إذا أخذت كلّ من الجهتين علّة للحكم المناسب لها خارجة عن موضوعه كما لا يخفى على المتدبّر ، لأنّ الأحكام تدور على عناوينها المقرّرة وتتعدّد بتعدّدها ، والعنوان ما لا حظه المولى مصلحة أو مفسدة فيه فعلّق الحكم عليه ، ولا يستحيل عند العقل كون « إكرام زيد » من جهة إضافته إلى إحدى الجهتين عنوانا راجحا في نظره لما فيه من المصلحة ومن حيث إضافته إلى الجهة الاخرى عنوانا آخر مرجوحا في نظره لما
__________________
(١) البقرة : ٢٨٦.