الوجوب حدوثا وبقاءا أو ارتفاعا.
وخامسها : أنّه لو ترك الجميع لاستحقّ العقاب على واحد منها ، فعلم أنّ الواجب هو أحدها.
وفيه : أنّه لا ملازمة بين العقاب على واحد وتعلّق الوجوب بواحد ، كما هو لازم من يقول بوجوب الجميع ، فلم لا يجوز أن يكون الوجه في ذلك كون العقاب تابعا للمصلحة ، فترتّب العقاب على أحدها من جهة الاكتفاء بمصلحة واحد منها ، وإنّما تعلّق الوجوب بالجميع لوجود تلك المصلحة في الجميع حذرا عن الترجيح من غير مرجّح ، وعدم كون واحد لا بعينه إلاّ أمرا اعتباريّا ، وسقوطه عن غير ما حصل لامتناع تحصيل الحاصل فلا منافاة.
سادسها : أنّه لو كان في كلّ واحد منها جهة موجبة لفعله ليصحّ اتّصافه بالوجوب من جهتها لزم وجوب الجمع بينها مع امكان إحراز المصلحة الموجبة ، فيخرج بذلك عن حدّ الوجوب التخييري ، وإن كانت تلك في أحدها كان الواجب واحدا منها كما هو المدّعى.
وفيه : أنّه قد يكون المصلحة القائمة بكلّ واحد بحيث لا يكتفى إلاّ بحصولها في كلّ واحد بانفراده فيجب كلّ واحد بانفراده ، ولا يجوز في حكمة الحكيم إهمالها في شيء منها بعدم إيجابه ، وقد يكون بحيث يكتفى بحصولها في ضمن أيّ منها حصل ، ولمّا كان قيام تلك المصلحة في الجميع على نهج سواء ولا مزيد لبعض فيها بالقياس إلى الآخر ، فالحكمة إقتضت إيجاب كلّ واحد على جهة التخيير ، وهو جعل الاختيار في أداء ما يحصل به الامتثال منها للمكلّف ولا داعي إلى العدول عن ذلك إلى إيجاب أحدها إن اريد به المفهوم ، وإلاّ كان راجعا إلى إيجاب كلّ واحد على جهة التخيير.
حجّة القول بوجوب الجميع وسقوطه بالبعض وعدم وجوب واحد لا بعينه : فعلى الجزء الأوّل : قياس المخيّر على الكفائي في عمومه للجميع وسقوطه بفعل البعض ، والجامع اشتراكهما في وصف الوجوب مع سقوط الوجوب بفعل البعض ، وورود النصّ بلفظ « التخيير » لا ينافي عموم الوجوب للجميع وسقوطه بفعل البعض (١).
وعلى الجزء الثاني : بأنّ غير المعيّن مجهول ويستحيل وقوعه فلا يكلّف به ، وأيضا لو كان الواجب واحدا من حيث هو أحدها لا بعينه مبهما يكون المخيّر فيه واحدا لا بعينه من حيث هو أحدها ، فإن تعدّدا لزم التخيير بين واجب وغير واجب ، وإن اتّحدا لزم اجتماع التخيير والوجوب.
__________________
(١) وكان عدم المنافاة من جهة إرجاع التخيير إلى ما يسقط به الوجوب لا أنّه راجع إلى ما تعلّق به الوجوب. ( منه عفي عنه ).