والجواب عن الأوّل : وجود الفارق وهو الإجماع على تأثيم الكلّ في الكفائي وعلى البعض المبهم في المخيّر ، مضافا إلى شمول الخطاب للكلّ في الكفائي لوروده بصيغة الجميع وعدم شموله [ في المخيّر ](١) إلاّ واحدا على جهة البدليّة لتضمّنه لفظا يفيد ذلك وهو كلمة « أو » ، فيكون الوجه المذكور اجتهادا في مقابلة النصّ.
واجيب أيضا : بأنّ تأثيم مكلّف لا بعينه غير معقول ، لأنّه لا يمكن عقاب أحد الشخصين لا على التعيين ، فلم يكن الوجوب في الكفاية متعلّقا بواحد غير معيّن بخلاف تأثيم المكلّف على ترك واحد لا بعينه فإنّه معقول ، لأنّه يجوز أن يعاقب المكلّف على أحد الفعلين لا بعينه ، فيكون الوجوب متعلّقا بواحد لا بعينه.
واعترض عليه : بأنّ التأثيم بترك واحد لا بعينه من ثلاثة أيضا غير معقول ، لأنّه يلزم الترجيح من غير مرجّح.
وفيه : أنّ التأثيم بترك واحد إنّما هو من جهة تعلّق الغرض بمصلحة واحد لا بمصالح الجميع ، ولذا تقولون أنتم بسقوط الوجوب عند حصول البعض ، ولا ريب أنّه حينئذ لا يعدّ من الترجيح بلا مرجّح ، ولأجل ذلك لا يعتبر التعيين فيما خصّ التأثيم بتركه.
وعن الثاني : بأنّ المستحيل وقوعه هو الواحد بشرط عدم التعيين لا الواحد لا بشرط من جميع الجهات ، ولا الواحد بشرط الخصوصيّة مع عدم اعتبار التعيين ، وفرق واضح بين عدم اعتبار التعيين واعتبار عدم التعيين ، والمحذور وارد على الثاني دون الأوّل ، وأنّ الواجب هو الواحد في حال عدم حصول الواحد الآخر والمخيّر في تركه هو الواحد في حال حصول الواحد الآخر ، فالوجوب والتخيير لا يجتمعان في محلّ واحد.
وقد يستدلّ على هذا القول أيضا : بأنّ الوجوب لا بدّ له من محلّ يقوم به ، فإمّا أن يقوم بواحد معيّن من تلك الأفعال ، أو بواحد مبهم منها ، أو بالمجموع ، أو بكلّ واحد ، ولا سبيل إلى الأوّل إذ لا ترجيح له على غيره مع الاشتراك في المصلحة الموجبة ، ولا إلى الثاني إذ لا بدّ من قيام الوجوب بمحلّ معيّن ، ضرورة عدم إمكان قيام الصفة المتعيّنة بالموصوف المبهم ، ولا إلى الثالث وإلاّ كان المجموع واجبا ، فتعيّن الرابع وهو المدّعى ، وإنّما يسقط الوجوب بفعل البعض لقيام الإجماع على عدم بقاء التكليف مع الإتيان بالبعض.
وفيه : أنّ هاهنا احتمالا خامسا وهو تعلّق الوجوب بكلّ واحد على سبيل التخيير
__________________
(١) أضفناه لاستقامة العبارة.