العلم بانتفاء الشرط مانعا من صحّة التكليف أو على القول بكون الشرط المعلوم انتفاؤه شرطا في صحّة التكليف وجهان ، يستفاد أوّلهما عن التفتازاني في شرحه على الشرح ، غير أنّ المستفاد عن الحاجبي وغيره كما عرفت فيما تقدّم في المقدّمة الثانية هو الوجه الثاني.
وعلى ذلك ينبّه ما في تهذيب العلاّمة من أنّ الأصل في ذلك أنّ الأمر قد يحسن لمصلحة تنشأ من نفس الأمر لا من المأمور به ، وقد يحسن لمصلحة تنشأ منهما ويظهر منه هنا ارتضاؤه بذلك حيث أورده ولم يعقبه بما يزيّفه.
وبالتأمّل فيما ذكر ـ مضافا إلى ما تقدّم في المقدّمة المذكورة مع ما سيأتي عند ذكر الأدلّة ـ يظهر أنّ كلام المجوّزين في ما يعمّ الأمر الحقيقي والأمر الابتلائي ، فإنّ الحاجبي وغيره مع كونه من المجوّزين قد جمع في المقام بين الاحتجاج بأنّه لو لم يصحّ لم يعص أحد أبدا ، وبين دفع نقض المعتزلة عليهم بما تقدّم الإشارة إليه بما يقضي بأنّ الأمر قد يقع لأجل الابتلاء كما صرّح به بيان المختصر ، وظاهر أنّ تكليف العاصين ليس إلاّ حقيقيّا ، ولا يستقيم ذلك إلاّ مع إرادة الأعمّ ، غير أنّه يظهر منهم الفرق بينهما بحسب المورد فيخصّون الأوّل بما إذا كان الشرط المعلوم انتفاؤه ممكن الحصول كالإرادة ونحوها ، والثاني بما إذا لم يكن كذلك كما عرفت في المقدّمة وستعرفه أيضا.
نعم أدلّة المانعين بين صريحة وظاهرة في نفي الأمر الحقيقي.
ولعلّ النزاع بين الفريقين لأجل ذلك يعود لفظيّا وهو ليس بعادم النظير في المسائل الخلافيّة ، فإنّ الأوّلين يريدون إثبات الجواز ولو لأجل الابتلاء لزعمهم عدم كون ذلك الشرط المعلوم انتفاؤه من شروط التكليف.
والآخرون يمنعون عن جواز التكليف الحقيقي لئلاّ يفضي إلى تكليف ما لا يطاق ونحوه ، فيكون ما علم انتفاؤه شرطا في التكليف أيضا.
لكن يرد على الأوّلين : أنّكم إذا جعلتم الكلام في إثبات الشرطيّة وعدمها فتجويزكم التكليف لأجل الابتلاء بدعوى عدم الشرطيّة لا يجديكم نفعا في محلّ النزاع ، إذ الابتلاء ليس من التكاليف الحقيقيّة حتّى ينظر في حكمه ويجعل تجويزه مبنيّا على عدم الشرطيّة.
وعلى فرض رجوعه بالقياس إلى العزم والتوطين وفعل المقدّمات إلى التكليف الحقيقي ـ لا أنّها امور تتأتّى من باب الغاية المقصودة في التكليف الصوري ، فلا يستريب أحد في عدم الشرطيّة حينئذ إذا جاز التكليف الابتلائي من أصله حيث لا مقتضي لها