أصلا ، فنحن نباحثكم في التكليف الحقيقي المتعلّق بالفعل نفسه لا بما هو خارج منه ، فإن جعلتموه شرطا له فقد عدلتم عمّا ادّعيتموه أوّلا ، وإن أنكرتم الشرطيّة أيضا فقد التزمتم بما يكون باطلا بحكم العقل الضروري من جواز التكليف بما لا يطاق إن كان ما علم انتفاؤه من الشرط ما لا يتعلّق بإيجاده قدرة المكلّف ، أو قلتم بعدم الشرطيّة فيما لا قائل بها أصلا إن كان ما علم انتفاؤه من الامور الداخلة تحت قدرة المكلّف ، حيث لم يذهب أحد إلى كون التكليف في مثل ذلك مشروطا ، بل ادّعي الاتّفاق في مثل ذلك على الجواز وإن علم المأمور بانتفاء الشرط ، فإنّ غايته استلزامه للتكليف بإيجاد الشرط أيضا تبعا من باب المقدّمة ، مع أنّه على تقدير اختصاص موضع كلامكم بما لا يكون مقدورا رجع البحث إلى مسألة جواز التكليف بالممتنع العرضي كما صرتم إليه ، بل هو في الحقيقة من جملة فروع تلك المسألة ، فلا وجه لتخصيصه هنا بعنوان مستقلّ بعد ما أوردتم البحث في أصل المسألة.
ثمّ إنّ الاصوليّين اضطربت عباراتهم في تشخيص موضع النزاع فمنهم من جعله أعمّ ، ومنهم من خصّه بالأمر الحقيقي ، ومنهم من خصّه بالأمر الابتلائي ، ومنهم من ردّد بين الاحتمالات فوافق في كلّ احتمال فريقا ، وأكثرهم تعرّضا لذكر الاحتمالات بعض الفضلاء (١) وكلّ ذلك نشأ عن اختلاف كلمات المتنازعين واستدلالاتهم والثمرات المذكورة لهم في هذا النزاع.
والأقرب ما قرّرناه من كون نظر المجوّزين في الأعمّ ونظر المانعين في خصوص الأمر الحقيقي ، وأمّا كون هذا النزاع في خصوص الأمر المشروط كما احتمله جماعة منهم بعض الفضلاء حيث أدرجه في الاحتمالات الّتي ردّد فيها فممّا لا يساعد عليه شيء من أطراف المسألة لا عنوانا ولا دليلا ، بل يأبى عنه ما تقدّم في عبارة بيان المختصر ، كيف وهو مبنيّ على تسليم الشرطيّة عند الفريقين ونزاعهم في جواز التعليق وعدمه.
وقد عرفت أنّ المستفاد من المجوّزين صراحة وظهورا نفي الشرطيّة رأسا ، ويتّضح ذلك بملاحظة ما قرّرناه سابقا من أنّ نزاعهم يرجع بالأخرة إلى النظر في أنّ ما فرض كونه شرطا في الوقوع عقلا هل هو شرط للتكليف أيضا أو لا؟ ولعلّ منشأ هذا الاحتمال ما يأتي في كلام المصنّف تبعا للسيّد وغيره فيما يأتي.
__________________
(١) الفصول : ١٠٩ ـ ١١٠.