النزاع في الاولى كما عرفت.
والّذي يكشف عن ذلك ما أجاب به أهل القول بجواز الأمر مع العلم بانتفاء الشرط عن نقض المعتزلة ـ بأنّه : لو صحّ التكليف بما علم انتفاء شرط وقوعه لم يكن إمكان المكلّف به شرطا في التكليف ، واللازم باطل بالاتّفاق ـ من أنّ الإمكان الّذي هو شرط في صحّة التكليف هو أن يكون الفعل المكلّف به ممّا يتأتّى فعله عادة عند دخول وقته واستجماع شرائطه ، والفعل الّذي علم الآمر انتفاء شرط وقوعه ممكن بهذا المعنى ، وامتناعه بسبب انتفاء شرط وقوعه لا ينافي هذا الإمكان ، وإنّما ينافي الإمكان الّذي هو شرط وقوعه ، وكون هذا الإمكان شرطا لصحّة التكليف هو محلّ النزاع ، فإنّه عندنا شرط الامتثال وليس شرطا في صحّة التكليف ، فإنّ التكليف لا يقتضي حصول المكلّف به في الخارج بل قد يقع لأجل الابتلاء.
وبالتأمّل في ذلك تعرف كثيرا من الشبهات والزلاّت الّتي حصلت في تلك المسألة لغير واحد من أجلاّء الأصحاب عند تشخيص موضع النزاع هنا ، وسنبيّن تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء الله.
وثالثها : قد وقع بين العامّة خلاف في تعيين زمان انقطاع التكليف ، فعن إمام الحرمين والمعتزلة أنّه ينقطع حال حدوث الفعل وتبعهم ابن الحاجب أيضا ، وعن الشيخ أبي الحسين الأشعري وأتباعه أنّه لا ينقطع حال الحدوث.
وقد رأينا إيراد هذا البحث هنا مناسبا لكونه من مبادئ المسألة في الجملة ، لما سيأتي في أدلّة القول بجواز أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط من الاحتجاج بأنّه : لو لم يصحّ لم يعلم تكليف أصلا ، لأنّه بعد الفعل ومعه منقطع ، وقبله لا يعلم.
وتوضيحه ـ على ما في بيان المختصر ـ : أنّ التكليف بعد الفعل منقطع بالاتّفاق وكذلك مع الفعل عند المعتزلة ، فلا يكون العلم بالتكليف بعد الفعل ، وقبله لا يعلم بوقوع الشرط عند وقت الفعل.
وكيف كان فعن أبي الحسين ومن تابعه الاحتجاج : بأنّ الفعل حال حدوثه مقدور بالإتّفاق سواء قلنا بتقدّم القدرة على الفعل كما هو مذهب المعتزلة أو لم نقل ، وإذا كان مقدورا حال الحدوث صحّ التكليف به.
وأمّا الآخرون فلم نعثر عنهم على احتجاج بالخصوص. عدا ما في اعتراض الحاجبي