الأمر بالجميع.
وخامسها : أنّ جميع الأقوال منحصرة فيما ذكرناه ، وقد تبيّن رجوع القولين الأوّلين إلى أمر واحد وانتفاء الخلاف بينهما في المعنى ، والمفروض أنّ سائر الأقوال بيّن الوهن لما فيها من ارتكاب امور يقطع بفسادها ، فتعيّن الأخذ بما اخترناه.
وهذا الوجه كما ترى لا يجدي في إلزام الخصم وكأنّه دليل إقناعي.
حجّة القول بوجوب أحدها لا بعينه وجوه :
أوّلها : ما أشار إليه الحاجبي وفصّله في بيان المختصر : بأنّا نقطع بجواز تعلّق الأمر بواحد غير معيّن من جملة الامور المتعدّدة عقلا ، والنصّ دلّ على جوازه سمعا.
أمّا الأوّل : فلأنّ السيّد إذا قال لعبده : « أمرتك أن تخيط هذا الثوب أو تبني هذا الحائط في هذا اليوم ، أيّهما فعلته إكتفيت ، وإن تركت الجميع عاقبتك ، ولست آمرا أن تجمع بينهما ، بل أمرتك أن تفعل واحدا منهما لا بعينه » الكلام معقول ، ولا يمكن أن يقال : لم يكن مأمورا بشيء ، لأنّه عرّضه للعقاب بترك الجميع ، ولا يمكن أن يقال : بأنّ الجميع مأمور به فإنّه صرّح بنقيضه ، ولا واحد بعينه لأنّه صرّح بالتخيير ، فلا يبقى إلاّ أن يقال : المأمور به واحد لا بعينه.
وأمّا الثاني : فقوله تعالى ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )(١) فإنّ التخيير فيه دلّ على جواز كون المأمور به واحدا منها لا بعينه.
وهذا الوجه كما ترى في كمال المتانة إن اريد بالواحد لا بعينه مصداقه كما هو الأظهر ، نظرا إلى أنّ الدليل قائم لدفع كلام من أوجب الجميع وكلام من أوجب واحدا معيّنا ، فالتعبير بالواحد وقع قبالا للأوّل وب « عينه » وقع قبالا للثاني ، وذكر الخصوصيّتين تنبيه على أنّ المتعلّق هو الخصوصيّة دون المفهوم المنتزع.
وثانيها : ما أشار إليه أيضا في المختصر وبيّنه في الشرح بأنّ : تزويج البكر المطالبة للنكاح من أحد الكفوين الخاطبين ، ووجوب إعتاق واحد من جنس ارقابه في كفّارة الظهار ، يدلّ على جواز تعلّق الأمر بواحد لا بعينه من جملتها ، وذلك لأنّه لو كان التخيير يوجب تعلّق الوجوب بالجميع لوجب تزويج الخاطبين وإعتاق جميع الرقاب والتالي ظاهر الفساد فالمقدّم مثله.
ولو كان التخيير يوجب تزويج واحد بخصوصه ـ أي على التعيين ـ وكذا إعتاق واحد
__________________
(١) المائدة : ٨٩.