المنفصل تأكيدا لوجوب استتار ضمير الفاعل في المضارع المبدوّ بالهمزة.
وعن الثاني : ما عرفت من منع أصل الاستعمال ، ولا دلالة لانفصال الضمير في قول الفرزدق عليه ، وتوجيه الدلالة عليه بما تقدّم من انتفاء الوجوه المجوّزة للفصل سوى أن يكون المعنى : « ما يدافع إلاّ أنا ».
يدفعه أوّلا : أنّ المجوّز له وقوع الضمير بعد لفظ « إلاّ » في خصوص الحصر بالنفي والاستثناء لتعذّر اتّصاله بها بحيث يصير جزء الكلمة والمقام ليس منه.
وثانيا : عدم الحاجة في توجيه انفصال الضمير هنا إلى تكلّف جعل إنّما بمعنى النفي والاستثناء ، فإنّ من ضابط العدول عن الاتّصال في الضمير إلى الانفصال تعذّر الاتّصال ، ومن موجبات تعذّره عطف إسم الظاهر على الضمير المرفوع فاعلا مع كونه ضمير المتكلّم والفعل الرافع له مضارعا مبدوّا بالياء كما في قول الفرزدق ، فإنّ عطف « مثلي » على الضمير المرفوع كما أوجب العدول عن « ادافع » إلى « يدافع » كذلك أوجب تعذّر اتّصال ضمير الفاعل ، لأنّه لو اتّصل كان مستترا ولا يستتر في المضارع المبدوّ بالياء إلاّ ضمير الغائب ، ومعه يفسد المعنى المقصود ، فإنّ المقصود إسناد الفعل إلى المتكلّم ويستحيل استتار ضميره في المبدوّ بالياء ، فتعيّن العدول فيه عن الاتّصال على وجه الاستتار إلى الانفصال ثمّ يعطف عليه « مثلي ».
وعن الثالث : بأنّ التأكيد على التأكيد لا يوجب الحصر وإن بلغ في الكثرة ما بلغ ، وإلاّ كان مثل قوله : « إنّ زيدا لقائم » وقوله : « والله إنّ زيدا لقائم » من مواضع الحصر وهو باطل بضرورة من اللغة والعرف.
والسرّ في ذلك : أنّ تأكيد المسند للمسند إليه لا يرد في الكلام إلاّ لتوهين احتمال الكذب كما هو الحال في القسم حيثما يرد ، فالتأكيد على التأكيد لا يوجب إلاّ زيادة التوهين حتّى ينتهي إلى رفع ذلك الاحتمال وخلوص الكلام عن شائبة الكذب ، فأقصى ما يلزم من تعدّد التأكيد وتكثيره هو تعيّن صدق الكلام.
ولا ريب أنّ صدق الإسناد لا يلازم نفي المسند عن غير المسند إليه.
وعن الرابع : بأنّ أولويّة التأسيس من التأكيد إن سلّمناها يتبع المقام المناسب ، وهي في المقام المناسب له تبيّن حال الكلام الصادر من المتكلّم ولا تتعرّض لحال اللفظ باعتبار الوضع ، وإلاّ لزم ترجيح اللغة بالعقل إن استند فيها بأنّ التأسيس إفادة والتأكيد إعادة والإفادة أولى من الإعادة ، وإن استند فيها إلى الغلبة فلا تجدي نفعا في المقام أيضا ، لأنّ