والجواب عن الأوّل : أنّ مجرّد الاستعمال إن سلّمناه لا يجدي نفعا في المقام ، لأنّه ليس بمحلّ كلام خصوصا إذا ساعد عليه القرينة كما في قول الفرزدق ، بناء على كون مطلق الحصر من الوجوه المجوّزة لانفصال الضمير كما ذكر في تقرير الاستدلال فالقرينة هو انفصال الضمير لإفادة الحصر.
هذا مع تطرّق المنع من أصل الاستعمال وإن كان الحصر مسلّما فإنّه ليس من مقتضى كلمة « إنّما » أمّا في قول الأعشى فلأنّ الحصر فيه مستفاد من قوله : « العزّة للكاثر » لأنّه نظير قولهم : « الكرم في العرب » و « الإمام من قريش » وغير ذلك ممّا هو مندرج في العنوان المتقدّم المعبّر عنه بمفهوم الحصر.
وأمّا في قول الفرزدق فلأنّ الحصر مستفاد من قوله : « أنا الذائد » باعتبار تعريف المسند ، وقوله : « يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي » تكرّر لمضمون الكلام الأوّل قصد به بيان المدافع عنه مع التنبيه على أنّ المتكلّم قصد الاسناد إلى ما يعمّ مثله في المجد والعصبيّة على قومه ، و « إنّما » في الموضعين وردت لضرب من الضرورة أو لتأكيد النسبة.
وقد اجيب أيضا : بحمل فصل الضمير على الضرورة ، فلا قضاء له بما ذكر من اعتبار الحصر وهذا أيضا يرجع إلى منع أصل الاستعمال.
ولكن ردّ : بأنّه لو صحّ ذلك لكان يصحّ أن يقال : « إنّما ادافع عن أحسابهم أنا أو مثلي » على أن يكون « أنا » تأكيدا.
ودفعه بعض الأعاظم : بأنّ ذلك يوافق مراده فإنّ المفهوم منه حينئذ حصر المدفوع عنه لا المدافع الّذي هو المقصود.
وفيه ما لا يخفى من عدم تعلّقه بالردّ المذكور ، فإنّ مبنى الجواب المتقدّم على إنكار أصل الاستعمال في الحصر حملا لفصل الضمير الّذي جعل قرينة عليه على كونه لأجل الضرورة ، والردّ المذكور وارد عليه على هذا التقدير ، فلا حصر فيه حتّى ينقلب الحصر المقصود بغيره على فرض ما لو قال الشاعر : « إنّما ادافع عن أحسابهم أنا أو مثلي » بناء على كون فصل الضمير لأجل الضرورة أيضا.
فالوجه في دفع الردّ الاستناد إلى عطف « مثلي » على الضمير المنفصل ، فإنّه المانع من التعبير « بادافع » مكان « يدافع » لأنّ المعطوف في حكم المعطوف عليه بالنظر إلى ما قبله ، والضمير المتّصل خصوصا إذا كان مستترا لا يؤكّد باسم الظاهر وبناء الردّ على جعل الضمير