المانع من الحصر يبني كلامه على ما أصله التأكيد بحسب الواضع ، لدعواه تركّب « إنّما » عن « إنّ » المؤكّدة و « ما » الكافّة فلا تأثير لغلبة التأسيس في إبطال دعواه بل لا بدّ فيه من وسط آخر.
وعن الخامس : بمنع دلالة الاستعمال على الحقيقة كما قرّرناه في محلّه خصوصا إذا كان مع القرينة.
وعن السادس : بأنّ إعمال الصفة معها في نحو المثال المذكور قرينة على اعتبار الحصر المتضمّن للنفي وليس ذلك إلاّ استعمالا مع القرينة ولا كلام فيه.
حجّة القول بعدم إفادتها الحصر وجوه عمدتها أمران :
الأوّل : أنّ قول القائل : « إنّما زيد قائم » في معنى قوله : « إنّ زيدا قائم » فلا فرق بينهما إلاّ في الاشتمال على زيادة « ما » والزائد كالمعدوم ، وكما أنّ الثاني لا يفيد الحصر لا منطوقا ولا مفهوما فكذلك الأوّل.
وأجيب عنه تارة : بكونه مصادرة لأنّ الحجّة عين الدعوى.
واخرى : بالمنع عن ذلك ، بل « إنّما » كلمة برأسها موضوعة لإفادة الحصر.
الثاني : أنّه قد ورد في الكتاب العزيز ما لم يرد منه الحصر كما في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )(١) و ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )(٢) و ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها )(٣) ضرورة عدم انحصار الإيمان في الموصوفين بما ذكر ، وعدم انحصار إرادة الله في إذهاب الرجس عنهم ، وعموم إنذاره صلىاللهعليهوآله بالنسبة إلى من يخشى الساعة ومن لا يخشاها.
واجيب عنه تارة : بتحقّق الحصر في الآيات المذكورة ، فإنّ المراد في الأوّل الكمّلين من المؤمنين ، وفي الثاني أنّ إرادة إذهاب الرجس مقصورة على أهل البيت ولا تتعدّاهم إلى غيرهم ، لا حصر مطلق إرادة الله في إذهاب الرجس عنهم ، لما هو المعلوم من أنّ النفي في « إنّما » يرجع إلى ما ذكر أخيرا ، وفي الثالث الإنذار النافع المؤثّر في القرب إلى الطاعة لا مطلق الإنذار المتناول للمطلق.
واخرى : بأنّ المجاز خير من الاشتراك ، ومطلق الاستعمال لا يستلزم الحقيقة وكونها حقيقة في الحصر قد ثبت بالتبادر وفهم العرف لا مطلق الاستعمال ليكون الردّ مشترك الورود.
__________________
(١) الأنفال : ٢.
(٢) الأحزاب : ٣٣.
(٣) النازعات : ٤٥.