وهذا منه مبنيّ على تسليم التركيب وإنكار بقاء « إنّ » على اقتضائها لعدم كون « ما » نافية.
ومن الاعتراضات أيضا ما أورده التفتازاني في المطوّل من : « أنّ « إنّ » لا تدخل إلاّ على الاسم ، و « ما » النافية لا تنفي إلاّ ما دخلت عليه بالإجماع ، وهذا راجع إلى بيان سند المنع من دعوى التركيب ».
ومن الاعتراضات أيضا ما عن بعضهم من أنّ كون « ما » للنفي غير ممكن ، لاقتضاء « إنّ » و « ما » النافية الصدارة ، والعمل بمقتضاهما هنا غير ممكن لاستحالة اجتماع النقيضين.
وحكي الاحتجاج أيضا بوجوه اخر :
منها : قول الأعشى :
ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنّما العزّة للكاثر |
وقول الفرزدق :
أمّا الذائد (١) الحامي (٢) الذمار (٣) |
|
وإنّما يدافع عن أحسابهم (٤) أنا أو مثلي |
نظرا إلى أنّه لا يتمّ مقصودهما إلاّ بالحصر.
ومنها : صحّة انفصال الضمير معه كما في قول الفرزدق ، نظرا إلى انتفاء الوجوه المجوّزة للفصل سوى أن يكون المعنى : « ما يدافع إلاّ أنا » فإنّه لو كان معناه « يدافع أنا » لا يصحّ.
ومنها : أنّ « إنّ » لمّا كانت لتأكيد المسند للمسند إليه ثمّ اتّصلت بها « ما » المؤكّدة ضاعف تأكيدها ، فناسب أن يتضمّن معنى القصر لأنّ قصر الصفة على الموصوف وبالعكس ليس إلاّ تأكيدا للحكم على تأكيد.
ومنها : أنّ « إنّما » إذا كانت للحصر كانت للتأسيس وإلاّ كانت للتأكيد ولا شكّ أنّ الأوّل أرجح.
ومنها : أنّها استعملت في الحصر والأصل فيه الحقيقة.
ومنها : أنّه يصحّ إعمال الصفة الواقعة بعدها في قولك : « إنّما قائم أبوك » وليس ذلك إلاّ لتضمّنها معنى « ما » لما قرّر في محلّه من أنّ الصفة لا يجوز إعمالها إلاّ إذا اعتمدت على ما قبلها ولا يصلح له هنا إلاّ النفي ، فتعيّن أنّ « إنّما » متضمّنة لمعنى « ما » و « إلاّ ».
__________________
(١) الذود : الطرد والدفع ( مجمع ).
(٢) الحامي : من الحماية وهو المنع والحفظ والدفع.
(٣) الذمار : ما لزمك حفظه ممّا ورائك ويتعلّق بك ، وذمار الرجل ممّا ورائه ويحقّ عليه أن يجمعه ( مجمع ).
(٤) الحسب : الشرف الثابت في الآباء ( مجمع ).