وأمّا ما ذكره في المفاتيح في دفع ذلك من أنّ الحمل على التأسيس أولى من التأكيد وإنكار ابن هشام لا يسمع لأنّ شهادة الإثبات مقدّمة ، مع أنّ الّذي اعترف به من تصريح الفارسي بأنّ العرب عاملوا « إنّما » معاملة النفي والإثبات يدلّ على صحّة ما نسب إليه ، لأنّ هذه المعاملة لا تكون إلاّ بعد كون « ما » نافية أو « إنّما » كلمة مفردة لا مركّبة ، ولمّا كان الثاني باطلا انحصر الوجه في الأوّل.
ففيه : ما لا يخفى ، فإنّ الحمل على التأسيس في مقابلة التأكيد إنّما يستقيم فيما كان قابلا لكلّ من التأسيس والتأكيد ، وإذا كان وضع « أنّ » لمجرّد التأكيد باتّفاق النحاة وتصريح قاطبة أهل اللغة فمن أين يجيء لها صلاحية التأسيس حتّى يترجّح على ما يقابله؟ فإنّ ذلك في موضع التردّد والدوران والمقام ليس منه ، وشهادة أهل الخبرة مقدّمة على غيرها ولو كان شهادة إثبات ، على أنّ الشهادة بالإثبات لم تثبت إلاّ من الاصوليّة في احتجاجهم المذكور ولعلّهم ذكروه اجتهادا لا نقلا عن أهل اللغة ، والمنع عن كون « إنّما » كلمة مفردة تحكّم حيث لا شاهد على أنّها في كلّ مقام مركّبة ، ودعوى الاتّفاق عليه في حيّز المنع.
نعم في كلام النحاة أنّ « إنّ » قد يدخلها « ما » فتكفّها عن العمل كما في أخواتها ، وهذا كما ترى لا يقضي بأنّها في جميع مواردها من هذا الباب ، على معنى كون الاعتبار المذكور على وجه الإيجاب الكلّي ، لجواز كون هذه اللفظة على قسمين ، مع أنّ من الأعاظم من نقل الخلاف في كونها بسيطة أو مركّبة من « إنّ » وما النافية أو الزائدة على أقوال ، ثمّ صار إلى القول الأوّل استنادا إلى أنّ التركيب مقتضاه فهم مفرداته ولا فهم هنا ، وعليه بنى دفع الحجّة المذكورة قائلا : « بأنّ صحّة الاستناد إليه يتوقّف على تركيب مدلول « إنّما » وقد عرفت بطلانه (١) وهذا منه قدسسره ثاني الاعتراضات على هذه الحجّة.
واستشكل أيضا في دعوى التركيب بعد ما دفع الاعتراض الأوّل المتقدّم عن ابن هشام بقوله : « ولكنّ الانصاف أنّ دعوى تركيب إنّما من « إنّ » و « ما » مشكل فإنّ التبادر يشهد بالإفراد ».
ومن الاعتراضات عليها أيضا ما عن العبري من أنّ كلمة « إنّ » في « إنّما » لو كانت على حالها لوجب أن تكون ناصبة كما كانت قبل التركيب وليس كذلك بالاتّفاق ، لأنّ « ما » فيها كافّة.
__________________
(١) إشارات الاصول : ٢٤٨.