الكتاب والسنّة وكلام البلغاء ، فهي على ما نقل عن المحقّقين موضوعة للحصر عند أهل اللغة ولم نظفر بمخالف لذلك ، واستعمال أهل العربيّة والشعراء والفصحاء إيّاها في ذلك يؤيّده » انتهى.
واحتجّ عليه أيضا : باستدلال العلماء قديما وحديثا بقوله : « إنّما الأعمال بالنيّات » و « إنّما الولاء لمن أعتق » ومرجعه إلى الاحتجاج بالتبادر ، بتقريب : أنّ استدلال العلماء يكشف عن تحقّق تبادر الحصر عندهم.
وهذا جيّد على تقدير دون آخر ، فإنّ الاستدلال يتمّ على كلا تقديري الاستناد إلى الإيجاب الكلّي فقط أخذا بالمنطوق ، والاستناد إلى مجموع الإيجاب والسلب الكلّيين أخذا بالمنطوق والمفهوم معا ، وفهم الحصر إنّما يستكشف منه على الثاني وهذا ليس بواضح ، لجواز كون مناط الاستدلال هو الأوّل ، ولا ينافيه حكمهم بعدم كفاية العمل بلا نيّة إلاّ فيما أثبته الدليل ، لأنّ عدم الكفاية كما أنّه يستند إلى دلالة الكلام على العدم على ما هو مفاد ثبوت المفهوم ، فكذلك قد يستند إلى عدم دلالته على الكفاية اقتصارا على ما نطق به ، كما هو مفاد الأخذ بالمنطوق فقط في موضع عدم ثبوت المفهوم والحصر لا يتمّ إلاّ مع ثبوت الدلالتين معا ، وهذا غير واضح من المستدلّين كما لا يخفى.
وأمّا الاحتجاج عليه أيضا بأنّ : « إنّ » للاثبات و « ما » للنفي ولا مجال لتوهّم تواردهما على شيء واحد للزوم التناقض ، ولا لتوهّم النفي إلى ما بعد « إنّما » وتوجّه الإثبات إلى ما سواه للإجماع على خلافه ، فتعيّن توجّه الإثبات إلى ما بعدها والنفي إلى ما سواه وهو المطلوب ، إذ لا يعنى بالحصر إلاّ هذا ، فبمكان من الوهن والفساد ، لوضوح أنّ الإثبات من مقتضيات نفس الكلام و « إنّ » ترد لتأكيد النسبة ولذا تأتي في المنفيّ كما تأتي في الموجب.قال ابن هشام في المغني : « وهذا البحث مبنيّ على مقدّمتين باطلتين بإجماع النحويين ، إذ ليست « إنّ » للاثبات وإنّما هي لتوكيد الكلام ، إثباتا كان مثل : « أنّ زيدا قائم » أو نفيا مثل : « أنّ زيدا ليس بقائم » ومنه : « أنّ الله لا يظلم الناس شيئا » وليست « ما » للنفي بل هي بمنزلتها في أخواتها في « ليتما » و « لعلّما » و « لكنّما » و « كأنّما » وبعضهم ينسب القول بأنّها نافية إلى الفارسي في كتاب الشيرازيات ، ولم يقل ذلك في الشيرازيات ولا في غيرها ، ولا قاله نحوي غيره ، وإنّما قال الفارسي في الشيرازيات : أنّ العرب عاملوا « إنّما » معاملة النفي والإثبات في فصل الضمير كقول الفرزدق : وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ».