وكأنّه لم يكن مرادا.
والرابع : التفرقة بين ما كانت من جنس المغيّا فتدخل وعدمه فلا تدخل ، كما عن المبرّد.
والخامس : الجمع بينهما كما عن الشهيد.
والسادس : الفرق بين ما اقترنت بكلمة « من » وعدمه فتدخل في الثاني دون الأوّل.
والسابع : التردّد والتوقّف وهو عن الزمخشري ، وعن البهائي في مشرقه والخوانساري أنّهما تبعاه.
والظاهر أنّ مراد الشهيد من الجمع هو الجمع بين احتمالي الدخول والخروج بإجراء حكم المغيّا في الغاية عملا بالاحتياط وقاعدة الاشتغال ، فيخرج عن مقابلته للقول بالتوقّف.
ومن الأعلام من زعم كون مبنى القول الرابع على وجوب المقدّمة من جهة عدم التمايز.
وفيه نظر واضح ، لأنّ مدرك وجوب المقدّمة العلميّة قاعدة الاشتغال ، وهي لا تصلح دليلا على الحكم في المسألة اللغويّة ، بل دليل هذا القول عدم إمكان الآخريّة في غير الجنس ، باعتبار أنّ آخر الشيء جزؤه فلا بدّ وأن يكون من جنسه ، فقوله تعالى : ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(١) ونظائره مخرج عن الظاهر لقرينة.
ونحو هذا التوجيه يجري في القول الثالث أيضا.
والحقّ هو القول الأوّل للتبادر ، فإنّ المتبادر المنساق في متفاهم العرف في الكلام المشتمل على حرفي الابتداء والانتهاء كونه لتحديد الفعل المغيّا في أوّله وآخره ، فيفيد استيعاب ذلك الفعل لكلّ من مدخول حرف الابتداء ومدخول حرف الانتهاء ، ويلزمه أن يكون مدخول الأوّل أوّلا ومدخول الثاني آخرا ، وقد يقصد بالتحديد بيان الأوّل فقط من دون تعرّض للآخر كقولك : « سرت من البصرة » وقد يقصد به بيان الآخر من دون تعرّض للأوّل كقولك : « سرت إلى الكوفة ».
فما ذكرناه هو الأصل والظاهر في لفظة « إلى » و « حتّى » ولا يخرج عنه إلى غيره إلاّ لقرينة معتبرة ، ومن القرائن مغائرة مدخولها لما قبلها في الجنس لاستحالة الآخريّة مع المغايرة.
وعلى هذا فمثل : « صوموا إلى الليل » و ( لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )(٢) و « بعت هذه الأرض من هذا الشجر إلى ذلك الحجر ، أو من هذا النهر إلى ذاك النهر » وما أشبه ذلك كلّها مخرجة عن الظاهر لقرينة.
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.
(٢) البقرة : ٢٢٢.