مع ما يستفاد من كلمات أهل العربيّة في مواضع عديدة.
ثانيها : قد أشرنا في مقدّمات المسألة إلى أنّ انتهاء شيء إلى شيء مقول بالاشتراك على بلوغه إيّاه بحيث لم يتجاوزه إلى غيره وعلى انقطاعه عنده بحيث لم يبلغه ، غير أنّ ذلك إنّما هو إذا اعتبرناه بمعناه الاسمي ، وأمّا لو اعتبرناه بمعناه الحرفي المأخوذ في وضع « إلى » و « حتّى » على حدّ وضع الحروف من خصوص الموضوع له لأمر عامّ.
ففيه الخلاف المتقدّم إليه الإشارة عن النحاة المعبّر عنه بأنّ : الغاية هل تدخل في المغيّا مطلقا أو في الجملة أو لا تدخل كذلك؟
وهذا البحث في الحقيقة راجع إلى دلالة هذه اللفظة على الآخريّة في مدخولها ، على معنى كون محلّ الآخر هو المدخول كما في قوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ )(١) أو على الآخريّة فيما قبل مدخولها كما في قوله تعالى : ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(٢) فمن قال بدخول الغاية في المغيّا يرجع كلامه إلى دعوى أنّ المأخوذ في وضع هذه اللفظة هو الانتهاء بمعنى البلوغ ويلزمه الدلالة على الآخريّة في مدخولها.
ومن قال بخروجها عنه يرجع كلامه إلى دعوى أنّ المأخوذ في وضعها هو الانتهاء بمعنى الانقطاع ، ويلزمه الدلالة على الآخريّة فيما قبل مدخولها ، والمفصّل بأحد الوجوه الآتية يرجع كلامه إلى دعوى أنّ المأخوذ في وضعها كلّ من المعنيين على وجه الاشتراك أو المعنى العامّ المشترك بينهما على وجه التواطؤ ، والمتوقّف إمّا يتوقّف من حيث عدم تبيّن المراد فيختصّ بمواضع تجرّد اللفظ عن قرينة التعيين كما في قول القائل : « قرأت القرآن إلى آية كذا أو سورة كذا » فيكون من أهل القول بالاشتراك لا مقابلا له ، أو من حيث عدم تبيّن الموضوع له مع البناء على كونها وضعا لأحدهما فيكون مقابلا للقول بالاشتراك.
والمنقول من أقوال المسألة حسبما ضبطه بعض الأعاظم (٣) سبعة :
الأوّل : الدخول مطلقا.
والثاني : عدمه كذلك ونسب إلى الأكثر.
والثالث : الخروج إن كانت الغاية منفصلة عن ذيها بمفصّل محسوس كـ ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(٤) وإلاّ فالدخول كآية الوضوء ، كما عن العلاّمة والفخري ، ولكن قيل أنّ الأوّل في مختصريه والثاني في المحصول جعلا ذلك في موضع للتفرقة فيما بعد الغاية لا نفسها
__________________
(١) المائدة : ٦.
(٢ و ٤) البقرة / ١٨٧.
(٣) إشارات الاصول : ٢٤٢.