ويمكن أن يلحق بتلك القاعدة قوله تعالى : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً )(١) نظرا إلى أنّ الغالب على الفتيات إرادة التحصّن ، فحينئذ يتّضح سقوط الاستدلال به على عدم حجّيّة المفهوم زيادة على ما تقدّم.
وثالثها : ذكر الحاجبي وتبعه غير واحد من شرّاح مختصره لمفهوم المخالفة مضافا إلى ما تقدّم شروطا اخر :
منها : أن لا يظهر أولويّة أو مساواة في محلّ السكوت وإلاّ لما كان مفهوم مخالفة.
ومنها : أن لا يكون واردا في الجواب عن سؤال ، كما لو سأله سائل عن الزكاة في الغنم السائمة فأجاب بقوله : « في الغنم السائمة زكاة ».
ومنها : أن لا يكون في حادثة خاصّة بالمذكور ، كما إذا مرّ بشاة ميمونة فقال : « دباغها طهورها ».
ومنها : أن لا يكون لتقدير جهالة المخاطب ، بأن لا يعلم المخاطب وجوب زكاة السائمة ويعلم وجوب زكاة المعلوفة فيقول الرسول صلىاللهعليهوآله (٢) « في سائمة الغنم زكاة » فإنّ التخصيص حينئذ لا يكون لنفي الحكم عمّا عداها.
ومنها : أن لا يكون لرفع خوف ، مثل ما إذا قيل للخائف عن ترك الصلاة المفروضة في أوّل الوقت : « جاز ترك الصلاة في أوّل الوقت » أو غير ذلك ممّا يقتضي تخصيصه بالذكر ، فإنّه إذا تحقّق الباعث على التخصيص لا يكون مفهوم المخالفة حجّة.
وهذه الشروط إنّما يطّرد اعتبارها على تقدير الاستناد في الحجّيّة إلى لزوم العراء عن الفائدة لولاها ، وإلاّ فعلى تقدير الاستناد إلى التبادر وظهور التخصيص بالذكر في سببيّة المذكور للحكم يشكل الحال في الجملة.
إلاّ أن يقال : بأنّ الظاهر إنّما ينهض ظاهرا وحجّة إذا لم يقم ما يصادمه من ظهور آخر وارد عليه كما في كافّة قرائن المجازات ، أو مكافؤ له مانع عن الأخذ به بالمعارضة كما في المجاز المشهور الّذي يعارض ما فيه من قرينة الشهرة لظهوره في المعنى الحقيقي بالوضع.
ولا ريب أنّ ما ذكر من الامور من هذا الباب ، لأنّ منها ما هو نصّ أو ظاهر في عدم إرادة المفهوم ، ومنها : ما هو مصادم للّفظ في ظهور السببيّة.
__________________
(١) النور : ٣٣.
(٢) عوالي اللآلي ١ : ٣٩٨.