بما يوافقه من غير نظر إلى قصد المفهوم معه.
أو من جهة فقد المقتضي لفهم المفهوم ، فإنّ المفهوم إنّما يثبت في موضع انفهام السببيّة عن التقييد ، والسببيّة إنّما تستقيم إذا كان محلّ القيد قابلا لأن يطرءه حالتا وجود القيد معه وانتفائه عنه ، بمعنى أن يكون هو بالنظر إلى القيد أعمّ منه مطلقا أو من وجه ، فلذا ترى أنّه لا مفهوم لقولك : « أكرم الإنسان الضاحك » و « إن كان الأسد مفترسا فاحذر منه » و « إن كان الأمير قادرا عليك فلا تتعرّض لسخطه » و « إن كنت أباي فاعطف عليّ » و « إن كان الخمر مسكرا فلا تشربه » وهكذا ممّا لا يكاد يحصى ، ومتى ما كان القيد غالبا على محلّه كان هو بالنسبة إليه واردا على ما هو بمنزلة ما لا عموم فيه تنزيلا للنادر منزلة المعدوم ، وكأنّ المحلّ منحصر في نظر العرف في مورده الغالب وليس له فرد سواه ، فعلى هذا يحمل القيد على إرادة معان اخر غير المفهوم كما هو الحال في الأمثلة المذكورة.
ولعلّه في الأوّل : تنبيه المخاطب على كون الإنسان ضاحكا وتعريفه له ، نظرا إلى ما ذكروه من أنّ التوصيف للجاهل بالنسبة في معنى الإخبار ، كما أنّ الإخبار للعالم بها في معنى التوصيف ، فإنّ من لوازم التوصيف علم المخاطب بأصل النسبة ومن لوازم الإخبار جهله بها ، ولكن قد يرد كلّ منهما مورد الآخر.
وفي الثاني : تنبيه السامع على أنّ الافتراس الّذي تعلمه في الأسد ملزوم للزوم الحذر والفرار منه.
وفي الثالث : التنبيه على أنّ من لوازم قدرة الأمير مع العلم بها أن لا يتعرّض الإنسان لسخطه.
وفي الرابع : التنبيه على أنّ من لوازم الأبوّة عطف الأب على ولده ، أو تحريصه إلى الأخذ بما هو من لوازمها ببيّنة وبرهان.
وفي الخامس : التنبيه على علّة الحكم والحكمة الداعية إلى تشريعه ، والنكتة في مثل قوله : « لا تشرب الخمر إن كنت مؤمنا » التنبيه على كمال البينونة فيما بين الإيمان وشرب الخمر ، وبيان أنّ شرب الخمر مع الإيمان ممّا لا ينبغي ، وأنّه ممّا لا يلائم الإيمان.
وعلى هذا القياس قوله تعالى : ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ )(١) فإنّ المقصود بالآية إنّما هو المنع عن الكتمان مطلقا مع التنبيه على أنّه ممّا لا يناسب الإيمان بالله.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٨.