فيبقى الإشكال حينئذ في إطلاق القول بالنسبة إلى بعض تلك الامور ، فإنّ الأولويّة إنّما تصلح للاستناد إليها إذا لم تكن اعتباريّة صرفة قطعيّة كانت أو ظنّيّة عرفيّة ، وإلاّ فلا ينبغي التعويل عليه في الخروج عن ظاهر السببيّة إلاّ على تقدير التعويل على القياس الممنوع في الشريعة.
ومن هنا يتّضح ما في صورة مساواة المسكوت عنه لمحلّ النطق ، فإنّ ذلك لا يصلح مانعا عن الأخذ بظاهر السببيّة إلاّ على البناء على القياس فيما بين المتساويين ، وهو كما ترى بل لا يستقيم ذلك على مذهب العاملين به أيضا ، لما هو المعروف من مذهبهم من أنّهم يبنون عليه حيثما لم يعارضه حجّة والظهور هو الحجّة ، إلاّ أن يقال : بأنّ العبرة في الظهور بما يكون شخصيّا وقياس المساواة ممّا يوجب انسلاخ الظهور الشخصي.
ورابعها : قد سبق عن أبي عبد الله البصري القول بأنّ الوصف إذا كان واردا للبيان أو التعليم أو كان ما عدا الصفة داخلا تحتها يدلّ على النفي عمّا عداه.
واعترض عليه بعض الأعاظم : بأنّه وإن كان حقّا لكن لا من جهة الوصف ، بل في الأوّلين من أجل وروده للبيان فإنّ ذلك يفيد الحصر ، وليس هذا مخصوصا به بل كلّ ما ورد للبيان فعلا أو تقريرا أو قولا منطوقا أو مفهوما ـ ولو لقبا ـ يفيد الحصر ، كيف ولولاه لما تمّ به البيان ، فالبيان إنّما هو المفيد للحصر دون غيره وإلاّ لما كان بيانا ، فظهر عدم مدخليّة الوصف في ذلك.
وأمّا الثالث فلأجل كونه من جهة القرينة ، فإنّ الشيء إذا كان داخلا في الشيء وتعلّق به الحكم فرفع ما كان تحته يقتضي رفعه ، ضرورة استلزام رفع الجزء رفع الكلّ ، وبه يرتفع الحكم المتعلّق بالكلّ وقد ارتفع فلا متعلّق له ، مع أنّه لولاه لزم بطلان [ المنطوق ] ألا ترى أنّه لو قيل : « أحكم بشاهدين من رجالكم » منعنا من قبول الشاهد الواحد ، لقضاء انتفاء الشاهد انتفاء الشاهدين ، والمفروض توقّف الحكم بشهادتهما فلا يمتثل بدونهما.
وبما مرّ بان حجّيّة مفهوم البيان على الإطلاق مضافا إلى أنّها مقطوع بها.
قال في المنتهى : « التخصيص في معرض البيان يدلّ على النفي إجماعا إلاّ أنّه خارج عن نظم المفاهيم السابقة ، ومن فروعه جواز الجمع بين الفاطميّين » (١) انتهى.
__________________
(١) إشارات الاصول : ٢٤٧.