وعن الإحكام وبعض شروح المبادئ دعوى الاتّفاق عليه.
وقد يستظهر عن نهاية السؤول وجود الخلاف فيه ، حيث إنّه بعد ما صرّح بأنّ ما ذكر هو المعروف قال : ونقله إمام الحرمين في البرهان عن الشافعي ، ثمّ خالف وقال : إنّ الغلبة لا تدفع كونه حجّة ، وعلّل بأنّه لعلّه لأنّ المفهوم من مقتضيات اللفظ فليسقط موافقته الغالب ومثّلوا له بقوله تعالى : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ )(١) وقوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها )(٢) وقوله عليهالسلام : « أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليّها فنكاحها باطل » وقد يمثّل أيضا بقوله تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ )(٣) فإنّ الغالب في الأوّل أنّ الربيبة إنّما تكون في الحجر ، وهي بنت المرأة من غير زوجها ، وإنّما تسمّى بها لأنّ الزوج يربّيها غالبا في حجره والمراد بالحجور البيوت ، والخلع (٤) لا يجري غالبا إلاّ عند الشقاق ، والأغلب أنّ المرأة لا تنكح نفسها إلاّ عند عدم إذن الوليّ لها وامتناعه من تزويجها ، وأنّ العرب كانوا يعتادون قتل الأولاد عند خوف الفقر.
ونقل الاحتجاج عليه عن النهاية ومحكيّ المحصول ـ كما في المنية ـ بأنّه مع حصول الغلبة لا يحصل الظنّ بنفي الحكم عن المسكوت عنه ، قال السيّد في المنية عقيب كلّ من الأمثلة المذكورة : « أنّ مع احتمال كون الباعث على التقييد هو جريان الاعتياد وحصول الغلبة يمتنع حصول الظنّ بكون سببه نفي الحكم عمّا عداه ».
وقد عرفت الإيراد عليه عن إمام الحرمين بأنّ الغلبة لا تدفع كونه حجّة.
وعلّله بعض الأعاظم ـ بعد ما ردّ بعض الأعلام فيما ذكره من الوجه الّذي يأتي بيانه ـ : « بأنّ الاستقراء في العرف ينبّه على أنّ المتعارف بينهم متابعة العرب للعادة في القيود ، بمعنى أنّ مجرّد الغلبة في العادة يبعثهم على التقييد ، فبه يرتفع الحجّيّة وكأنّه المفهوم ».
ومن مشايخ العصر من وافقه وقال : بأنّ ذلك مأخوذ من فهم أهل العرف فإنّهم لا يفهمون من الأوصاف الواردة مورد الغالب المفهوم ، بل يستفيدون منها بيان الواقع لا اختصاص
__________________
(١) النساء : ٢٣.
(٢) النساء : ٣٥.
(٣) الإسراء : ٣١.
(٤) ولا يخفى أنّ مورد الآية ( النساء : ٣٥ ) ليس هو الخلع بل مطلق الطلاق كما يعلم ذلك ممّا قبلها حيث إنّ الله تعالى بيّن فيها الحكم عند مخالفة أحد الزوجين صاحبه ثمّ عقبّه بذكر الحكم عند صعوبة الأمر في المخالفة ، فمورد الآية هو مطلق الفرقة والطلاق. وأمّا ما يكون في مورده الخلع هو قوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) البقرة : ٢٢٩.