الحكم بالغالب وانحصاره فيه ، بل كثيرا مّا يفهمون التعميم الّذي هو ضدّ مفاد التقييد ، كما في قولك لصديقك : « كن عندنا إلى أن يؤذّن المؤذّن ، أو حتّى يؤذّن المؤذّن ، فإذا أذّن فلا منع عليك في الخروج » حيث إنّه لا يفيد المخاطب إلاّ مطالبة الوقوف عنده إلى الظهر سواء تحقّق فيه الأذان كما هو الغالب أو لا.
قال بعض الأعلام : « ولا يحضرني منهم كلام في بيان ذلك ، وعندي أنّ وجهه : أنّ النادر إنّما هو المحتاج حكمه إلى التنبيه ، والأفراد الشائعة تحضر في الأذهان عند إطلاق اللفظ المعرّى ، فلو حصل احتياج في الانفهام من اللفظ فإنّما يحصل في النادر ، فالنكتة في الذكر لا بدّ وأن يكون شيئا آخر لا تخصيص الحكم بالغالب وهو فيما نحن فيه التشبيه بالولد.
وممّا بيّنّا ظهر السرّ في عدم اطّراد الحكم فيما إذا ورد مورد الغالب في غير باب المفاهيم.
ألا ترى أنّا لا نجوّز التيمّم لواجد الماء ممّن منعه زحام الجمعة عن الخروج مع أنّ الشارع أطلق الحكم بالتيمّم ممّن منعه زحام الجمعة عن الخروج ».
ومحصّل مرامه بما ذكره من الوجه في محلّ البحث : أنّ التقييد في موضع إرادة المفهوم منه إنّما يؤتى به لإفادة التخصيص والتنبيه على اختصاص الحكم بمحلّ القيد ، وإذا كان ذلك المحلّ من الأفراد الشائعة الغالبة ينصرف إليه اللفظ وينساق إليه الذهن بلا تقييد فيحصل الفائدة المقصودة ، نظرا إلى أنّ التخصيص عبارة عن تقليل الشركاء وهو فرع أن يكون لفظ قبل ذكر القيد إطلاق أو عموم ، ولا إطلاق فيه ولا عموم مع الانصراف فيوجب الاختصاص ، فيكون التقييد بلا فائدة وهو غير جائز على الحكيم ، فلا بدّ وأن يكون الفائدة المقصودة منه غير التخصيص.
وأورد عليه :
أوّلا : بمنع إفادة مثل هذا القيد الاختصاص ، لجواز افادته إيّاه تأكيدا لما أفاده أصل الموصوف لأجل الغلبة والانصراف.
وثانيا : بدعوى كون الاختصاص في مفروض الكلام مستفادا من القيد لا غير.
وبعبارة اخرى : إفادة الغلبة والانصراف الاختصاص مشروطة بعدم اقتران اللفظ بالقيد ، حتّى أنّه لو اقترن كان المفيد له هو القيد لا الغلبة والانصراف ، كما أنّ « الإنسان » لو خلّي وطبعه لانصرف إلى ذي رأس واحد.