هذا محصّل ما ذكره القوم في المسألة ولهم في النقوض والإبرامات والردود والاعتراض من كلّ على الآخر عبارات شتّى وكلمات مختلفة لا فائدة مهمّة في التعرّض لذكرها هنا ، والعمدة منها ما أشرنا إليها ليتشخّص بها مناط نزاعهم ومحصّل استدلالاتهم.
ولقد عرفت أنّ شيئا منها لم يرد على وجه التحقيق وليس في شيء منها ما يشفي العليل ويروي الغليل.
والأولى أن يقال في تنقيح هذا المقال : إنّ المنطوق مع المفهوم حيثما يثبت قضيّتان معقولتان إحداهما : مدلول للقضيّة الملفوظة ، والاخرى : لازم من هذا المدلول ، تتولّدان عن معنى حرفي رابطي مستفاد من التعليق بتوسّط الأداة كما في الشرط أو غيرها كما في الوصف معبّر عنه بالسببيّة المنحلّة إلى كون المقدّم أو الوصف ما يلزم من وجوده الوجود وما يلزم من عدمه العدم ، فيكونان بالقياس إلى ذلك المعنى الحرفيّ كالمعلولين لعلّة ثالثة ، أو لازمين من ملزوم واحد ، فلا ينفكّ شيء منهما عن الآخر ضرورة استحالة انفكاك اللازم عن ملزومه.
فقضيّة ذلك كلّه أن يؤخذ مع المفهوم جميع ما هو مأخوذ في المنطوق من إطلاق أو تقييد أو جهة أو كمّيّة في الحكم المعلّق ، أو الشرط والوصف المعلّق عليهما ، أو موضوع الحكم أو متعلّقه ، أو موضوع الشرط أو الوصف وهو محلّهما ، وغير ذلك ممّا له تعلّق بعنوان السبب أو المسبّب أو غيرهما ، عدا كيف المسبّب وذات السبب فإنّ المعتبر فيهما اختلاف القضيّتين ، بأن يكون المعتبر من الحكم والشرط أو الوصف في القضيّة المنطوقيّة جانب الوجود وفي القضيّة المفهوميّة جانب العدم ، أداء لحقّ السببيّة وأخذا بموجب العلّيّة المستلزمة للزوم الوجود من الوجود ولزوم العدم من العدم.
وإن شئت فقل : يتعيّن فيما بين المنطوق والمفهوم جميع الوحدات الّتي لها مدخل في لحاظ المتكلّم في انعقاد القضيّة الملفوظة حسبما يجعله من الوحدات المعتبرة في التناقض وغيرها ، كالكمّ وغيره من إطلاق وتقييد بالزمان أو المكان أو حالة اخرى ، سوى وحدة الشرط أو الوصف أو وحدة الكيف ، نظرا إلى أنّ المعتبر فيهما الاختلاف ليكون المنطوق منطوقا والمفهوم مخالفا له على ما يومئ إليه تسميتهم له بمفهوم المخالفة.
وعلى هذا فلو كان الشرط أو الوصف مأخوذا في القضيّة على الإطلاق ولا بشرط شيء ممّا عداه فلا بدّ وأن يعتبر انتفاؤه الموجب لانتفاء الجزاء أو الحكم المعلّق على هذا