الاجتماعيّة على الوجه الأوّل قيد الموضوع في القضيّة دون الثاني ، ولذا كان المستفاد من القضيّة في الثاني كون الشرط سببا للحكم بالنسبة إلى كلّ فرد فرد ، وفي الأوّل كونه سببا للحكم بالنسبة إلى مجموع الأفراد من حيث المجموع ، فيكون مفهومه نفي الاجتماع إذا انتفى سببه ، ولا ينافي ثبوت الحكم بالنسبة إلى كافّة الأفراد إلاّ واحدا منها من جهة سبب آخر ، فإنّ مفهوم الموجبة الكلّية على هذا في حكم السالبة الجزئيّة وبالعكس ، ومفهوم السالبة الكلّية في حكم الموجبة الجزئيّة وبالعكس.
ثمّ إنّ الأمر واضح فيما لو اتّضح إرادة أحد المعنيين.
وأمّا لو تردّد فالأقرب هو الحمل على إرادة المعنى الثاني ، نظرا إلى غلبة الاستعمالات العرفيّة الموجبة للتبادر مثلا قولك : « إن جاءك زيد فأكرم العلماء » ينساق منه إلى الذهن إنّ المجيء سبب لوجوب إكرام كلّ فرد من أفراد العلماء ، والمنساق من قولك : « إن جاءك العلماء فأكرم زيدا » أنّ مجيء الكلّ سبب في وجوب إكرام زيد ، حتّى أنّه لو لم يجيء واحد منهم لم يجب الإكرام ، ومن قولك : « إن جاءك العلماء فأكرم البلغاء » إنّ مجيء الكلّ سبب لإكرام كلّ فرد فرد ، ومن قولك : « إن جاءك العلماء فأكرمهم » أنّ مجيء كلّ منهم سبب لإكرام الجائي بالخصوص لا لإكرام الغير الجائي ، كما أنّ المنساق من قوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )(١) التوزيع أيضا.
وممّا يرشد إليه ما قاله الطريحي في فوائد مجمعه : من أنّ العرب إذا قابلت جمعا بجمع حملت كلّ مفرد من هذا على كلّ مفرد من هذا مثل قوله : ( وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ )(٢) و ( لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ )(٣) أي ليأخذ كلّ واحد منكم سلاحه ، ولا ينكح كلّ واحد ما نكح أبوه.
فإن قيل : لازم ما ذكرت أوّلا أن يكون نقيض المحصورات الأربع على نوعين ، إذ على الثاني يكون نقيضها كنفسها في الكمّ وعلى الأوّل يكون كما قاله أهل الميزان ، وهذا مناف لما قرّروه وتسالموا عليه من اعتبار الاختلاف في الكمّ أيضا كالكيف.
قلنا : الأمر وإن كان كما ذكر في الحقيقة ، إلاّ أنّ نظرهم لمّا كان إلى الأخذ بالقدر المتيقّن الجاري في كافّة القضايا السيّال في جميع الموارد فاقتصروا على ما قالوا ، وقطعوا النظر عن ملاحظة دلالة اللفظ من حيث إنّها تجري على قسمين كما هو ديدنهم في كافّة مطالبهم.
__________________
(١) النساء : ١١.
(٢) النساء : ١٠٢.
(٣) النساء : ٢٢.