يلزم تأخير البيان وغيره من الحزازات » (١).
ثمّ قال في آخر كلامه : فالتّحقيق أن يقال : إن جعلنا السور (٢) من جملة الحكم وجعلنا الموضوع نفس الطبيعة المقيّدة فالأقرب ما ذكره هؤلاء ، وإن جعلناه جزء الموضوع بأن يرجع القيد إلى كلّ واحد ممّا يشمله السور فالأقرب ما اخترناه ، مثلا إمّا نقول : « الحيوان المأكول اللحم حكمه أنّه يجوز استعمال سؤر كلّ واحد من أفراده » أو نقول : « كلّ واحد من أفراد الحيوان المأكول اللحم حكمه جواز استعمال سؤره » فلا بدّ أن يتأمّل في أنّ معنى قولنا : « كلّ ما يؤكل لحمه يتوضّأ من سؤره » موافق لأيّهما وأيّهما يتبادر منه في العرف؟ والأظهر الثاني للتبادر ، فيكون الوصف قيدا لكلّ واحد من الأفراد ، والمفهوم يقتضي نفي الحكم حيث انتفى ذلك القيد (٣).
وعن العلاّمة وغيره ممّن تقدّم من العامّة أنّهم صرّحوا بعدم الخلاف في أمر معنوي بل جعلوا الخلاف في أمر لفظي ، وهو أنّ العموم هل هو من عوارض اللفظ أو لا؟ وقالوا : فمن قال بالأوّل اختار الثاني ومن قال بالثاني اختار الأوّل.
وعن العضدي أنّه جعل النزاع في أنّ المفهوم ملحوظ فيقبل القصد إلى البعض منه أو لا ، بل حصل بالالتزام تبعا لثبوت ملزومه فلا يقبل.
وعن الباغنوي الاعتذار عنه بأنّه لما رأى أنّ النزاع الواقع بين العلماء الأعيان لا يليق أن يكون لفظيّا أوّله بما حاصله : أنّ المفهوم هل يكون ملحوظا عند التلفّظ بالمنطوق أو لا؟
وقد يقال : بأنّ مبنى هذا النزاع على أنّ لفظة « كلّ » هل هي جزء الموضوع حتّى يكون اللازم رجوع القيد إلى كلّ واحد من الأفراد الّتي سوّر بها ، أو أنّ الموضوع هو نفس الطبيعة المقيّدة ولفظة « كلّ » هي جزء للحكم.
وبعبارة اخرى : أنّ السور هل هو ملحوظ بعنوان كونه موضوعا ومتعلّقا للنفي والإثبات بحيث يكون الأفراد بوصف العموم موضوعا للقضيّة ، أو هو ملحوظ على وجه المرآتيّة ويكون الحكم في الحقيقة حاصلا بين مدخول السور وبين المحمول ، بحيث يكون كلّ فرد من أفراد الموضوع متعلّقا للنفي والإثبات ، فإن كان الثاني فالحقّ هو الأوّل وإن كان الأوّل فالحقّ هو الثاني ، فيجب أن يختلف المفهوم مع المنطوق في الكمّ أيضا كالكيف ، لأنّ مفاد المفهوم يكون حينئذ سلب هذا العموم لا عموم السلب كما كان في الثاني ، وذلك لأنّ الهيئة
__________________
(١ و ٢) القوانين ١ : ١٨٥ و ١٨٦.
(٣) والمراد بالسور هو لفظ « بعض » و « كلّ » وما شابههما.