المفهوم نقيضا منطقيّا للمنطوق ، وإن كان صدور مثل ذلك في غاية البعد من مثلهم بل ممّن دونهم بمراتب ، لاختلاف الموضوع ولذلك يتصادقان أيضا.
والظاهر أنّ مراد من أطلق النقيض على المفهوم ـ كفخر الدين الرازي ـ إنّما هو أنّ المفهوم رافع لحكم المنطوق ، فإنّ نقيض كلّ شيء رفعه.
والمراد رفع ذلك الحكم عن غير الموضوع.
والحقّ هو ما فهمه الشيخ وصاحب المعالم ، فإنّ الحكم المخالف في جانب المفهوم إنّما يستفاد من جهة القيد في المنطوق ، فكلّ قدر يثبت فيه القيد وتعلّق به من أفراد الموضوع يفهم انتفاء الحكم بالنسبة إلى ذلك القدر ، وإلاّ لبقي التعليق بالنسبة إليه بلا فائدة » (١).
وعن المقدّس ـ فيما حكي عنه ـ التعليل له : بأنّ الخروج من العبث واللغو يحصل بعدم الحكم في بعض المسكوت عنه.
وعن تلميذه ـ فيما حكي عنه ـ التعليل بفقد اللفظ الدالّ على العموم قائلا : بأنّه لو سلّم فالخاصّ مقدّم عليه.
وعن المدقّق الشيرواني ـ فيما حكي عنه ـ التعليل بما محصّله : أنّه يكفي في دلالة المفهوم مخالفة المسكوت عنه للمنطوق في الجملة ، فجاز انقسامه إلى ما يوافق المنطوق وإلى ما يخالفه.
وأنت خبير بأنّ كلّ هذه التعليلات مصادرات لا ينبغي الالتفات إليها أصلا.
وعن بعضهم التفصّي عمّا أورد عليهم : من لزوم خروج القيد بلا فائدة كما تقدّم ذلك عن بعض الأعلام أيضا ، بأنّ ذلك لعلّه لعدم وجود أمر مشهور مشترك بين أفراد المنطوق وبعض أفراد المسكوت عنه ، يعني أنّ جميع أفراد ما يؤكل لحمه مثلا يجوز الشرب والتوضّؤ من سؤره فنطق به الكلام ، وإنّما لم يشرّك بعض الأفراد الغير المأكول أيضا مع كونه شريكا للمنطوق لأجل عدم لفظ مشهور جامع لهما فيبقى بيانه إلى وقت الحاجة.
وأجاب عنه بعض الأعلام ـ وتبعه بعض الأعاظم ـ : « بأنّه لا ينحصر الإفادة في وجود اللفظ المشهور المشترك ، فقد يصحّ أن يقال مثلا : « كلّ حيوان يجوز التوضّؤ من سؤره إلاّ الكلب مثلا ، وفي قوله : « كلّ غنم سائمة فيه الزكاة » مع ثبوت الحكم لبعض المعلوفة يمكن أن يقال : « كلّ غنم فيه الزكاة إلاّ النوع الفلاني » فلم ينقطع المناص حتّى
__________________
(١) القوانين ١ : ١٨٥.