الوقت كاف في الامتثال ، وهو قد يصير مع توسعة وقت الأداء مضيّقا ولا سيّما على القول بالمضايقة وفوريّة أوامر القضاء ، وقد نبّهنا في مقدّمات المسألة أنّ اختلاف المسبّبين في النوع ممّا ينفي التداخل بلا إشكال ، وهذا المعنى كما ترى غير متحقّق في المقيس وإلاّ كان كالمقيس عليه خارجا عن موضع الخلاف من غير إشكال (١).
ومنها : ما حكاه أيضا عن بعضهم بقوله : « ثمّ إنّه قد يستشهد لأصالة عدم التداخل بفحوى الأخبار الواردة في تداخل بعض الأسباب حيث تضمّنت الجواز والإجزاء الظاهرين في الرخصة في الجمع وأنّ الأصل فيها التعدّد ، وفي حديث زرارة في الاغتسال « إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد » قيل : وفيه تنبيه لطيف على أنّ ذلك مخصوص بالغسل وإلاّ لقال : حقّ واحد ، فإنّه أعمّ وأعود وأدخل في اللطف والامتنان وإرادة اليسر والتوسعة ، فعلم أنّ سائر الحقوق ليست كذلك ، بل قيل : إنّ في ورود النقل بالتداخل شهادة بأنّ المحتاج إلى التذكّر هو التداخل » (٢).
وأنت خبير بأنّ ذلك في غاية الوهن والسقوط ، فإنّ الجواز والإجزاء وإن كانا ظاهرين في الرخصة ولكن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه لو اريد بالرخصة معناها اللغوي وهو تسهيل الأمر وتيسيره ، إذ لا قضاء للرخصة في الجمع بهذا المعنى في بعض الأسباب بكون الأصل في غيرها التعدّد إلاّ على مفهوم اللقب وهو كما ترى.
نعم لو اريد بالرخصة ما اصطلحه القوم من إرادة ما جاز فعله أو تركه مع قيام المنع عنه في مقابلة العزيمة الّتي هي عبارة عمّا جاز فعله أو تركه لا مع قيام المنع عنه ربّما يمكن القول بكونه قاضيا بهذا المعنى [ بأصالة التعدّد ] لتضمّن الرخصة حينئذ جواز الجمع في بعض الأسباب بعد ما قام المنع عنه فيها على الإطلاق ، ولكنّ الشأن في إحراز ذلك وهو من أصعب الامور ، كيف وأنّ خطاب الشرع لا ينزّل على الامور الحادثه الاصطلاحية وبدونه ينتفي الدلالة رأسا ، لأنّ الرخصة اللغويّة يغلب ورودها في مقام دفع توهّم المنع
__________________
(١) وأورد في رسالته المعمولة في تداخل الأسباب والمسبّبات عقيب تلك العبارة ما هذا لفظه : « وأمّا ما ذكره أخيرا من التحقيق فقد تقدّم ما يزيّفه وملخّصه : أنّ الأسباب الشرعيّة إنّما تكشف عن المصالح الواقعيّة باعتبار كشفها عن الأحكام التابعة لها فاختلافها لا تكشف عن اختلاف المصالح إلاّ إذا كشفت عن تعدّد الأحكام فإذا لم يكشف اختلاف السبب عن تعدّد الحكم لم يعلم كون المصلحة واحدة أم متعدّدة ».
(٢) عوائد الأيّام : ١٠٦.