ومنها : ما حكاه عنه أيضا من « أنّ اختلاف المسبّبات إمّا أن يكون بالذات كالصلاة والصوم وصلاة الفجر والظهر أو بالاعتبار كصلاة الفجر أداء وقضاء ، والاختلاف في الثاني ليس إلاّ اختلاف النسبة والإضافة إلى السبب ، فإنّ صلاة ركعتين بعد الفجر ممّن عليه صبح فائتة صالحة لها وللحاضرة وإنّما تختلف وتتعدّد باعتبار نسبتها إلى دخول الوقت وخروجه فإن اضيفت إلى الأوّل كانت أداء وإلاّ قضاء ، ومثل ذلك الاختلاف يتحقّق في كلّ ما ينفي فيه التداخل ، لأنّ المفروض فيه اختلاف الأسباب الّتي يختلف معها النسبة.
ثمّ إنّه متى كان هذا الاختلاف في النسبة مقتضيا للتعدّد في مورد واحد كان مقتضيا له في غيره ، لأنّ المعنى المقتضي للتعدّد يتحقّق في الجميع قائم في الكلّ من غير فرق ، فيكون الأصل تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب ، ولا يلزم منه امتناع التداخل لأنّه إنّما يلزم لو كان اختلاف النسبة سببا تامّا للتعدّد وليس كذلك ، فإنّه مقتض له والتخلّف عن المقتضي جائز مع وجود المانع وهو موجود في كلّ ما يثبت فيه التداخل ، فإنّا لا نقول به إلاّ على تقدير وجوده.
وتحقيق ذلك : أنّ الأسباب الشرعيّة كاشفة عن المصالح الواقعيّة واختلافها كاشف عن اختلاف تلك المصالح بمعنى أنّه ظاهر فيه ، فإذا دلّ الدليل على التداخل علم أنّ المصلحة في الجميع واحدة وأنّ الإضافة غير مؤثّرة » (١).
وفيه أيضا ـ مع أنّه أخصّ من المدّعى لعدم جريانه في السببين المتجانسين كالبول إذا تعقّبه بول آخر نظرا إلى اتّحادهما الموجب لاتّحاد النسبة والإضافة ، وراجع إلى نحو من القياس بل هو من أضعف أفراد القياس لابتنائه على استنباط العلّة ـ أنّ الفرق بين المقيس والمقيس عليه واضح ، لجواز كون علّة الحكم في المقيس عليه اختلاف النسبة مع اختلاف المسبّبين في النوع ، ضرورة أنّ الركعتين أداء مع الركعتين قضاء بسبب عنوان الأدائيّة والقضائيّة نوعان مختلفان ، بناء على أنّ اختلاف النوعين قد ينشأ عن اختلافهما في الأحكام واللوازم وإن اتحّدا في الصورة.
ولا ريب أنّ الأداء أو القضاء يختلفان في الأحكام واللوازم ، فلذا ترى أنّ الأداء لا يجوز تقديمه على الوقت ولا يجوز تأخيره عن الوقت ، وهو ما دام الوقت متّسعا موسّع وإنّما يتضيّق عند ضيق الوقت ، بخلاف القضاء فإنّ تقديمه على الوقت جائز وتأخيره عن
__________________
(١) عوائد الأيّام : ١٠٦.