وأمّا ثالثا : فعلى تقدير توقّف الامتثال على قصده لا نسلّم توقّف القصد على قصد السبب ، ودعوى اقتضاء اختصاص كلّ مسبّب لسببه ذلك غير مسموعة.
نعم قد يتوقّف التعيين عند التعدّد على شيء ولكن يكفي في ذلك التعيين ببعض الوجوه من دون افتقار له إلى قصده بعنوان أنّه مسبّب من السبب الفلاني. ولو سلّم اعتبار قصد هذا العنوان في صدق الامتثال فلا نسلّم كونه ملازما لعدم التداخل ، لجواز الإتيان بفعل واحد إمتثالا لأوامر عديدة مسبّبة عن الأسباب المفصّلة المعلومة فلا يكون منافيا لأصالة التداخل ، نظير ما لو أعطى الهاشمي الفقير القريب درهما بقصد امتثال الأمر بالتصدّق والأمر بالاحسان إلى السادات والأمر بصلة الأرحام.
وبالجملة فهذا الوجه على فرض صحّة جميع مقدّماته لا يكاد تجدي في إثبات المطلوب.
ومنها : ما حكاه عن بعض سادة مشايخه (١) في بعض فوائده من اتّفاق الفقهاء عدا من شذّ عليه ، فإنّهم قطعوا به واستندوا إليه في جميع أبواب الفقه وأرسلوه ارسال المسلّمات وسلكوا به سبيل المعلومات ، ولم يخرجوا عنه إلاّ بدليل واضح واعتبار لائح ، وربّما تركوا الظواهر بسببه وطرحوا النصوص لأجله كما صنعه جماعة في تداخل الأغسال وغيره ، ولم يعهد منهم طلب الدليل على عدم التداخل في شيء من المسائل ، فلو ذهب أحد إلى التداخل في شيء طالبوه بالدليل ، وليس ذلك إلاّ لكونه من الاصول المسلّمة والقواعد المعلومة ، وإلاّ لكان الأمر بعكس ما صنعوه وخلاف ما قرّروه ، لأنّ الأصل فيما دار بين الاتّحاد وعدمه هو الاتّحاد.
وما يتّفق لبعضهم من الاستناد إلى الأصل فيما قالوا فيه بالتداخل فالوجه فيه عدم ظهور التعدّد في تلك الموارد فلا شكّ في أنّ الأصل هو الاتّحاد (٢).
وفيه : إن اريد بذلك اتّفاق الفقهاء على عدم التداخل على أن يكون أصلا كلّيا وقاعدة منضبطة لا يخرج عنها إلاّ بوارد عليها فهو غير ثابت واثباته يعدّ من المعضلات ، وإن اريد به الاتّفاق عليه في الجملة ولو في مواضع مخصوصة وموارد مضبوطة فهو دليل يجب فيه الاقتصار على مورده ، وليس من الامور اللفظيّة الّتي يتمسّك بها عموما أو إطلاقا وإن اختصّ موردها بغير محلّ العموم والإطلاق.
__________________
(١) وهو السيّد بحر العلوم رحمهالله.
(٢) عوائد الأيّام : ١٠٥.