الثاني بين وقوع الأكل والوطء في اليوم أو في الأيّام مع تخلّل الكفّارة وبدونه ، ولا بين هذه الأمثلة ونحوها من مواضع الخلاف وغيرها ممّا أجمعوا فيه على التعدّد أو الاتّحاد ، فإنّ المتبادر في جميع ذلك اختصاص كلّ سبب بمسبّبه بلا اختلاف يعود إلى دلالة اللفظ ، فيكون المطلوب في الجميع متعدّدا إلاّ ما صرف عنه الدليل كما في أسباب الوضوء ، ومن ثمّ ترى الفقهاء يعلّلون عن التداخل فيما يقولون به بإلغاء الخصوصيّة أو وجود الظنّ المعتبر ، وأمّا إذا انتفى الدليل على ذلك فيه فإنّهم لا يرتابون في الاختصاص أخذا بظاهر اللفظ من غير معارض ، وكفى بذلك شاهدا على التبادر مع حكم الوجدان وشهادة العرف.
وإن شئت فاستوضح ذلك بمثل ما إذا قيل : « إن جاءك زيد فأعطه درهما ، وإن سعى لك في حاجة فأعطه درهما » فجاء وسعى في حاجته ، فإنّك لا تشكّ في أنّه يستحقّ درهمين درهما لزيارته ودرهما لسعيه ، وتجد الفرق بين ذلك وبين زيارته المجرّدة عن السعي وسعيه المجرّد عن الزيارة ، وكذا إن قيل : « إن جاءك الطبيب فأعطه دينارا وإن جاءك أديب فأعطه دينارا » فأتى زيد وهو طبيب وأديب فإنّك تحكم بأنّه يستحقّ دينارين ، وتفرق بين مجيئه ومجيء طبيب غير أديب وأديب غير طبيب ، ونحو ذلك سائر الأمثلة من الخطابات الشرعيّة والمحاورات العرفية ، فإنّ المستفاد من جميعها اعتبار الأسباب واستقلالها في اقتضاء المسبّبات من غير تداخل » (١) وهذا الوجه كما ترى في غاية الوجاهة وإن ناقش فيه الفاضل المذكور بما لا يخفى عن مكابرة.
ومنها : أنّ كلّ سبب يقتضي اختصاص مسبّبه به بمعنى أن يؤتى بمسبّبه لأجل أنّه مسبّب من تلك السبب ، بل هو مقتضى وجوب الإمتثال ، فإنّ صدق الامتثال عرفا أن يقصد تعيين ما يؤتى به ، فإنّه لا يحصل إمتثال الأمر بغسل الجنابة إلاّ مع قصد أنّه غسل الجنابة أي مسبّب من الجنابة ، فلو لم يقصدها أو يقصد غيرها لم يعدّ ممتثلا وكذا غسل الجمعة ، ومقتضى ذلك وجوب الإتيان بكلّ مسبّب بقصد أنّه مسبّب من السبب الفلاني ، فلازم ذلك أصالة عدم التداخل (٢) وهو في غاية الوهن جدّا ، أمّا أوّلا : فلأنّه لا يتمشّى في غير العبادات.
وأمّا ثانيا : فلأنا لا نعتبر في صدق الامتثال وحصوله قصد العنوان ولا قصد الامتثال فضلا عن قصد السبب وتعيينه ، فلذا صار الأصل في الواجب عندنا كونه توصّليا لا تعبّديا على ما قرّرناه في محلّه.
__________________
(١) عوائد الأيّام : ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٢) عوائد الأيّام : ١٠٤.