كان تعدّد السبب قاضيا بتعدّد الفعل ولو من جنس واحد لا مجرّد تعدّد الوجوب. مع إمكان أن يقال : إنّ الأسباب الشرعيّة ليست بأسباب جعليّة من الشارع وإنّما هي أسباب واقعيّة كشف عنها الشارع ، كما أنّ الأسباب العقليّة ليست إلاّ امورا قد أدرك العقل سببيّتها لا أنّ العقل جعلها أسبابا لمسبّباتها ، فعلى هذا لا تكون بين كلامنا هذا وما اخترناه في الأحكام الوضعيّة من أنّها ليست مجعولة من الشارع وإنّما هي من توابع الأحكام التكليفيّة منافاة.
وإن أبيت إلاّ عن كون الأسباب الشرعيّة أسبابا للأحكام فقل : إنّها أسباب لوجوب ترتيب آثار السببيّة عليها بالنسبة إلى الأفعال ، فمعنى قولك : « النوم سبب لوجوب الوضوء » أنّه سبب لوجوب المعاملة معهما معاملة السبب والمسبّب.
وقضيّة ذلك تعدّد الواجب بتعدّد الوجوب لمكان تعدّد السبب الّذي من معاملاته تعدّد المسبّب ، فلاحظ وتأمّل.
ومنها : ما يرجع إلى منع اقتضاء تعدّد التكليف والمكلّف به تعدّد الأداء والامتثال ، وقد سبق حكاية ذلك في الأمر الأوّل كما عرفت عن المحقّق الخوانساري ثمّة بدعوى ظهور الأدلّة في كفاية الفرد الواحد.
وهو أيضا كما ترى ممّا لا يكاد يعقل ، فإنّ التكليف بعد ما تعدّد وتعدّد معه المكلّف به فكيف يعقل كفاية الواحد عن المتعدّد ، مع أنّ الغرض الأصلي في كلّ من التكليفين هو الامتثال؟ فأيّ شيء يحدر (١) أحد الامتثالين الّذي أوجبه الأمر إلاّ على احتمال الإسقاط ، وفيه : أنّه خلاف الأصل والظاهر كما قرّرناه في بحث الواجب الكفائي ، فلا يصار إليه إلاّ عن دليل وحجّة محكّمة تكون حاكمة على الأدلّة الظاهرة في عدم السقوط إلاّ بالحصول.
ودعوى ظهور الأدلّة في كفاية المسمّى أو الفرد غير مسموعة ، ضرورة كون الظهور على خلافها كما يتّضح ذلك بملاحظة بناء العرف ، حيث إنّهم إذا لا حظوا تحكيم ما اقتضاه الأسباب العديدة مع الأوامر المتعدّدة على ما اقتضاه الإطلاق في متعلّق تلك الأوامر بالتقريب المتقدّم يحكمون بالبداهة بلزوم الإتيانات العديدة على حسب تعدّد الأسباب عملا بظاهر اللفظ.
وبالجملة الدليل الّذي قرّرناه ممّا لا مجال إلى المناقشة في شيء من مقدّماته ، ولو لا الدليل الخاصّ من الإجماع والأخبار على عدم تعدّد المسبّبات في الوضوء وعلى عدم
__________________
(١) كذا ، والظاهر : يهدر ، أي يسقط.