وعلى فرض الصحّة فهو على خلاف الظاهر الّذي لا يصار إليه إلاّ عن دليل.
مضافا إلى ما قيل من مخالفة ما ذكره للقاعدة اللفظيّة في مثل الأوامر الابتدائيّة كما في « صم يوما ، صم يوما » مع ما هي عليه من احتمال انبعاثها عن سبب واحد لا يقتضي إلاّ مسبّبا واحدا ، فكيف بما نحن فيه من تعدّد الأسباب القاضي بتعدّد المسبّبات.
وإلى ما قيل أيضا من استلزام ذلك لاستعمال اللفظ في معنيين ، لكون كلّ من السببين عند انفكاكه عن الآخر مؤسّسا للسبب ولو كان عند الاجتماع مؤكّدا يلزم ذلك.
ومع الغضّ عن جميع ذلك نقول : إنّ الأسباب الشرعيّة بناءا على أنّها معرّفات تكشف عن مصالح واقعيّة أوجبت رجحان الأفعال وعلى أنّها مؤثّرات تؤثّر في تحقّق تلك المصالح بحسب الواقع ، فيكون تعدّدها قاضيا بتعدّد تلك المصالح من باب الكشف أو التأثير ، وتعدّد المصلحة يوجب تعدّد جهة الرجحان في الفعل وهو من موجبات وجوب التعدّد في الفعل وتكراره.
وإن شئت فاستوضح هذا المعنى بملاحظة قولك : « إن جاءك عمرو فأعطه درهما ، وإن جاءك زيد فأعطه درهما » غير أنّه في المتخالفين أظهر منه في المتجانسين ، كما أنّه في التعبّديّات أظهر منه في التوصّليّات ، بل صدقه في التوصّليّات ممّا لا يخلو عن إشكال كما يظهر بأدنى تأمّل.
مع ما قيل فيه أيضا من جواز كون الأسباب الشرعيّة عللا لنفس الأفعال لا الأحكام كما ذكره ، على أن يكون الأحكام بين العلل والمعلولات من لوازم العليّة بناءا على أنّ سببيّتها أمر مجعول من الشارع ولا مانع من أن يجعلها الشارع أسبابا لنفس الأفعال ، بدعوى : أنّ الأسباب الشرعيّة قد جعلها الشارع كالأسباب العقليّة والعاديّة لربط واقعي بينها وبين مسبّباتها وإن لم نعلمه ، فكما أنّ الأسباب العقليّة والعادية كثيرا مّا تكون أسبابا لنفس الفعل فكذلك الأسباب الشرعيّة أسباب لصدور الفعل الإختياري الكذائي عن المكلّف ، فكما أنّك في قولك لعبدك : « إذا قدم زيد من مكّة استقبله » تلاحظ الربط بين القدوم والاستقبال بحيث يكون القدوم سببا للاستقبال ، ولأجل هذه السببيّة الحاصلة تأمر العبد بالاستقبال بحيث يكون الأمر به من لوازم السببيّة لا أنّ الأمر هو السبب كما هو الحال في الإخبار في قولك : « إن جئتني جئتك » وما أشبه ذلك ، فكذلك لا حظ الشارع مثل هذه السببيّة بين النوم والوضوء مثلا وأجراهما مجرى السبب والمسبّب العقلي والعادي ، ومن جهتها حكم بلزوم الإتيان بالوضوء لا أنّ الوجوب مسبّب عن النوم ، وإذا كان الحال كذلك