جهتين متغايرتين كوطء الأجنبيّة الحائضة ، وشرب الخمر أو الزنا في نهار رمضان ، ووجوب قتل زيد المرتدّ القاتل لغيره عمدا وهكذا.
وعلى هذا فأصالة تداخل الأسباب على ما ذكروه وإن استلزم أصالة تداخلها بالمعنى الّذي كلامنا فيه هنا ، ولكن أصالة عدم تداخلها لو ثبت لا يستلزم أصالة عدمه بالمعنى المراد ، بل الأصل هو التداخل أي عدم لزوم تعدّد الفعل الصادر من المكلّف بتعدّد أسباب الحكم المتعلّق به. وإن قلنا باقتضاء الأسباب المتعدّدة تعدّد الحكم ، لأنّ تعدّده لا يوجب لزوم تعدّد الفعل.
والحاصل : أنّ الكلام في وجوب تعدّد الفعل وهو غير تعدّد المسبّب الّذي هو الحكم المتعلّق به ، وإن كان عدم تعدّد المسبّب مستلزما لعدم تعدّد الفعل.
ومنه يظهر أنّ اثبات أصالة عدم تداخل الأسباب بالمعنى الّذي ذكروه لا يكفي في اثبات أصالة لزوم تعدّد الفعل الّذي هو المطلوب » انتهى (١).
والجواب عنه ـ مع ما بين صدر كلامه وما بنى عليه سابقا من كون الأسباب الشرعيّة معرّفات من التدافع الواضح ـ : أنّ تعدّد الوجوب ممّا لا يعقل له معنى إلاّ وجوب التعدّد والتكرار ، كيف والوجوب لا بدّ له من متعلّق فإن كان متعلّق أحد الوجوبين عين ما تعلّق به الوجوب الآخر ـ نوعا كان أو فردا من النوع ـ لزم اجتماع المثلين في محلّ واحد وهو مستحيل ، وإن كان ما يغايره ولو بالاعتبار لزم تعدّد الواجب ، مع أنّا لا نعقل فرقا بين قوله : « إن وطئت الحائض فتصدّق ، وإن لا مستها فتصدّق » وقولك : « إن جاءك زيد فتصدّق ، وإن جاءك عمرو فتصدّق » فكما أنّ الثاني يقضي بلزوم تعدّد التصدّق لا مجرّد تعدّد الوجوب بضرورة من العقل والعرف فكذلك الأوّل.
وإبداء الفرق بينهما تحكّم لا يسمع ، كما أنّ إنكار تعدّد الواجب في الثاني إنكار للبديهة.
واحتمال كونه من باب التأكيد بفرض وقوع أحدهما مؤكّدا للآخر ـ سواء قارن السببان أو رتّبا أو تجانسا أو تخالفا ـ ممّا لا يرجع إلى محصّل ، بل يوجب تكذيب فرض التعدّد فيهما ، ضرورة أنّ المؤكّد إذا كان لفظيّا لا يفيد إلاّ عين ما أفاده المؤكّد كما في « ضرب زيد ضرب زيد » حيث إنّهما لفظان في إخبار واحد على أن يكون ثانيهما مؤكّدا للأوّل فيما أفاده واريد منه ، والتعدّد يوجب المغايرة فيخرج بها عن ضابطة التأكيدات
__________________
(١) عوائد الأيّام : ١٠١.