وأنت بالتأمّل فيما قرّرناه في ردّ الوجه الثالث من أدلّة القول بمعرّفيّة الأسباب الشرعيّة تعرف أنّ ذلك ممّا لا وجه له.
غاية الأمر أنّ ما يقع في الخارج في غير القابل للتعدّد ليس إلاّ واحدا لعدم قبوله التعدّد وهو ليس معنى التداخل ، لجواز كونه من باب سقوط الأمر بالزائد من جهة ارتفاع موضوعه وامتناع متعلّقه امتناعا عرضيّا ، لا من باب أنّ الأمر واحد من أصله أو أنّ المأمور به واحد وإن كان الأمر متعدّدا ، أو أنّ تعدّد الأمر والمأمور به لا يقتضيان أزيد من امتثال واحد كما أنّه مفاد القول بالتداخل.
نعم ينبغي أن يعلم أنّ محلّ الكلام ما كان المسبّب واحدا بالنوع كالتصدّق والوضوء والاغتسال عن جنابة ونحوها إذا اجتمعت عليها أسباب عديدة ، وأمّا إذا كان المسبّب متعدّدا بالنوع كما في قولك : « إن جاءك زيد فأكرمه » وإن أكرمك « فأعطه درهما » فجاء وأكرم في آن واحد أو على التدريج فلا ينبغي التأمّل ولا الخلاف في عدم التداخل.
ومن هذا الباب ما لو اتّحد المسبّبان في الصورة واختلفا في الأحكام واللوازم كغسل الجنابة مع غسل الحيض ، فإنّ من أحكام الأوّل رفع الحدث المبيح للصلاة ومن لوازم الثاني خلافه فلذا يجب معه الوضوء متقدّما أو متأخّرا فيكونان من النوعين المختلفين ، ضرورة أنّ اختلاف اللوازم دليل على اختلاف الملزومات ، فغسل الحيض مع غسل الاستحاضة مثلا داخلان في محلّ النزاع ، وكلّ منهما مع الجنابة خارجان عنه ، ولا ينافيه كون الجنابة مغنية عنهما لأنّ ذلك بدليل خارج والكلام إنّما هو مع قطع النظر عن كلّ خارج ، فلذا يعبّر في عنوان المسألة بأصالة التداخل أو أصالة عدمه.
وإذا تمهّدت هذه الامور بأجمعها ، فنقول : انّ الحقّ الحقيق اللائق بالاتّباع الموافق للتحقيق ما صار إليه المشهور.
لنا على ذلك : ـ مضافا إلى أنّا لا نعقل في العرف والعادة بملاحظة الاستعمالات الدائرة والإطلاقات الجارية فرقا بين قول القائل : « إن جاءك زيد فأعطه درهما ، وإن أكرمك عمرو فأعطه درهما » وقوله : « إن جاءك زيد فأعطه درهما ، وإن أكرمك فأعطه درهما » في وجوب اعطاء در همين وعدم جواز الاجتزاء بدرهم ـ ظهور أدلّة الأسباب في كون كلّ واحد سببا تامّا مستقلاّ على التعيين يؤثّر في مسبّبه تأثيرا فعليّا ، ظهورا متناولا لحالتي وجوده منفردا أو مجتمعا مع غيره على سبيل الدفعة والاقتران أو التدريج والتعاقب.