وتوضيح ذلك : أنّ القول بعدم التداخل إنّما يتمّ باحراز امور ثلاثة :
أحدها : اقتضاء الأسباب العديدة لوجوب شيء مثلا وجوبات عديدة على حسب عددها ، سواء قلنا : إنّ الأسباب الشرعيّة كالعقليّة أو معرّفات.
وثانيها : أنّ تعدّد الوجوب الناشئ عن تعدّد الأسباب قاض بتعدّد المتعلّق كالتصدّق في قولك : « إن جاءك زيد فتصدّق بدرهم » و « إن جاءك عمرو فتصدّق بدرهم ».
وثالثها : أنّ تعدّد المتعلّق الناشئ عن تعدّد الوجوب المنبعث عن تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد الامتثال ولا يكفيه امتثال واحد.
ومن الواضح أنّ الأمرين الأوّلين مخالفان للأصل ، ضرورة أنّ الأصل عدم تعدّد الوجوب ، وعلى فرض تعدّد الوجوب فالأصل عدم تعدّد الواجب ، لاحتمال أن يكون أمر واحد متعلّقا لوجوبات عديدة كما في الواجب الشخصي مثل قتل زيد وكما في الواجبات المنذورة ، فالقائل بالتداخل إن رجعت دعواه إلى إنكار أحد هذين الأمرين فالأصل معه وعلى المانع إثباتهما حتّى يرتفع الأصل.
وأمّا الأمر الثالث فهو بعد ثبوت الأمرين الأوّلين ثابت بحكم الاشتغال ولا مجال للبراءة فيه إلاّ بدليل خارجي كما يثبت في بعض المقامات كالأغسال ، فالقائل بالتداخل إن كان مدّعيا بخلاف هذا الأمر بعد الاعتراف بالأوّلين فعليه الإثبات.
الأمر السادس : قد يقال : أنّ محلّ كلام الأصحاب في تداخل الأسباب إنّما هو ما كان من المسبّب قابلا للتعدّد ، كأن يكون واحدا بالنوع وله أفراد يمكن وجودها في الخارج ، وأمّا إذا لم يكن قابلا للتعدّد فلا ريب في التداخل فيه إذا تحقّق السببان فيه معا أو مرتّبا ، ففي صورة المعيّة والاقتران يحكم بكونهما معا علّة تامّة لئلاّ يلزم الترجيح بغير مرجّح ، كما إذا ارتدّ وزنى في آن واحد فكلّ منهما يوجب القتل بانفراده ، فلمّا اجتمعا امتنع استناد استحقاق القتل إلى أحدهما خاصّة لعدم المرجّح فلا مناص عن الحكم باستناده إليهما ، نظير ما إذا ضربه واحد في عنقه والآخر في نطاقه في آن واحد فالقتل مستند إلى الضربين معا.
وفي صورة الترتّب والتدرّج يحكم باستناده إلى الأوّل لإصابته محلاّ خاليا عن المانع والشاغل.
وأمّا الثاني فهو وإن لم يصادف المحلّ خاليا إلاّ أنّه ليس بلغو بالمرّة بل لعلّه مؤكّد للأوّل ، ضرورة أنّ شأنيّته لإيجاب القتل لم تبطل. غاية الأمر أنّه لم يؤثّر فعلا لكونه مسبوقا.