لو كان لذلك الدليل الواحد الّذي ظهر بطلانه مدخليّة في التأثير والتعريف بعنوان كونه علّة تامّة أو جزء علّة لوجب أن يرتفع المعرفة الحاصلة ولا يبقى على حالته الأوليّة ، ضرورة عدم بقاء المعلول بارتفاع العلّة أو جزء العلّة ، فبقاء الموجود الذهني بعد ظهور بطلان ذلك الدليل يكشف عن عدم كون ذلك الدليل ممّا له مدخليّة في التعريف ، وإنّما كان وجوده مع سائر الأدلّة من باب الحجر الموضوع في جنب الإنسان.
فإن كان المراد بجواز التداخل في المعرّفات جواز اجتماعها بتلك المثابة حتّى يكون التعريف مستندا إلى بعضها دون البعض الآخر وإن قارنه في الوجود فهو جار بعينه في العلل الواقعيّة أيضا من غير تعقّل فرق بينهما كما يفصح عنه الصورة الثانية والثالثة من الصور المتقدّمة.
وإن كان المراد بعدم جواز التداخل في العلل الواقعيّة غير هذا المعنى فهو موجود بعينه في المعرّفات أيضا كما عرفت ، فالفرق بينهما في الحكم بالجواز في إحداهما وعدمه في الاخرى تحكّم لا يسمع عند أهل الفضل والمعرفة.
وأمّا ما ذكره من مقايسة تداخل المعرّفات في تعريف واحد ومعرفة واحدة على ألف موجود خارجي ينتزع عنها صورة ذهنيّة منطبقة على الجميع كالسواد المنتزع في جميع أفراده فهو قياس مع الفارق ، بل لا ينبغي صدوره عن الجاهل فضلا عن العالم الفاضل ، ضرورة أنّ الأفراد الّتي تنتزع عنها الصورة الذهنيّة الّتي هي عبارة عن الحقيقة الجنسيّة أو النوعيّة ليست معرّفات لتلك الصورة ، بل المعرّف لها هو الحدّ التامّ الجامع المانع ، فيجري في الحدود المتقاربة المجتمعة على محدود واحد بألفاظ مترادفة نظير ما سبق في المقيس نعلا بنعل وقذّا بقذّ ، وكون الأفراد منشأ لانتزاع الصورة الذهنيّة وإن كان من باب العليّة للإنتزاع ولكنّها ليست من باب اجتماع العلل الكثيرة على معلول [ واحد ] إن كان المراد بالصورة الذهنيّة هو القدر المشترك بين تلك الأفراد ، ضرورة أنّ القدر المشترك إنّما ينتزع عن ملاحظة المجموع فكانت العلّة هو المجموع من حيث المجموع لا كل واحد ، وإلاّ لكان ملاحظة فرد واحد عند الانفراد كافيا في انتزاعه وهو ضروري البطلان ، فلو كان المراد بتداخل العلل المتعدّدة على موجود واحد ذهني هذا المعنى فنظيره جار في العلل الواقعيّة لموجود واحد خارجي كما يفصح عنه الصورة الاولى من الصور المتقدّمة ، فبطل الفرق بينهما بما ذكر.