نعم ربّما يؤثّر في شيء آخر وهو أنّه لو كانت المعرفة السابقة معرفة ظنيّة فيبدّلها بالمعرفة العلميّة وإن كانت معرفة علميّة غير يقينيّة فيبدّلها إلى المعرفة اليقينيّة ، وإلى ذلك ينظر مقالة من قال : « بأنّ العلم ربّما يحصل من تراكم الظنون » كما لا يخفى وجهه على المتأمّل.
ولا ريب أنّ ما يحصل منه حينئذ أثر آخر غير ما هو حاصل من الأوّل ، وهو علّة تامّة وسبب فعلي بالقياس إليه كما أنّ الأوّل كان كذلك بالقياس إلى الأوّل.
نعم قد ينشأ منه أيضا أثرا آخر وهو أنّه ربّما يعرض الإنسان غفلة عن المعرفة السابقة الحاصلة من المعرّف الأوّل فهذا المعرّف إذا صادفها يوجب زوالها بعروض التذكّر والالتفات إلى المعرفة.
ومن البيّن أنّ الالتفات إلى المعرفة ليس بعين تلك المعرفة بل هو أثر آخر مستند إليه غير المعرفة المستندة إلى المعرّف الأوّل ، ولا يصدق على مثل ذلك توارد المعرّفين على معرفة واحدة ولا اجتماع السببين على سبب واحد.
وإن كان بحيث صادفه المعرّف الثاني بعد زوال المعرفة السابقة بعروض الجهل وطروّ النسيان. فلا ريب أنّه يؤثّر في معرفة اخرى غير ما هي حاصلة عن المعرّف الأوّل وزائلة بالجهل والنسيان.
فما أفاده الفاضل المتقدّم في عبارته المتقدّمة من جواز تداخل المعرّفات على نحو يستند إليها جميعا معرفة واحدة ليس ممّا يتعقّل ، كما أنّ تداخل العلل الواقعيّة الفعليّة على نحو يستند المعلول إلى الجميع ليس ممّا يتعقّل جريا على اعترافه بذلك.
وما استشهد بذلك من الاستدلال بأدلّة كثيرة على مطلوب واحد لا يجديه في ذلك نفعا ، لأنّ الاستدلال بالأدلّة الكثيرة يقع لغاية لا ترجع إلى المستدلّ العالم بالمطلوب لاستناد علمه إلى واحد منها ، بل تلك الغاية ترجع إلى غيره ممّن يخاصمه في المطلب ليكسر بتكثير الأدلّة صولته ويوهن أدلّته ويفسد مذهبه على نحو يلزمه على الوهن والفساد ، أو من كان جاهلا بالمطلب فيذكر في إرشاده إلى ذلك المطلب له ما زاد على الدليل الواحد حتّى أنّه لو لم يؤثّر بعض ذلك بالنسبة إليه في افادة العلم لعدم كونه ممّا يراه تماما وناهضا على المطلب لحصل التأثير من البعض الآخر.
وقوله : « ولذا لا يرتفع ذلك الموجود الذهني بظهور بطلان واحد من الأدلّة » لا يصلح شاهدا له على مطلوبه ولا مؤيّدا لدليله الفاسد ، بل هو ممّا يكذّبه عند التحقيق ، ضرورة أنّه