وبجميع ما تقرّر يتبيّن فساد ما عرفت عن فخر الإسلام من بناء القولين في المسألة على القولين في مسألة الأسباب الشرعيّة من حيث كونها مؤثّرات أو معرفات ، وعليك بالتأمّل في استخراج وجهه.
وإلى ذلك ينظر ما قد يقال في دفعه من : أنّ غرضهم من قولهم : « هل الأسباب الشرعيّة مؤثّرات كالأسباب العقليّة أو معرّفات وعلامات »؟
إمّا المؤثّرات والمعرّفات الفعليّة ، أو الشأنيّة ، أو المؤثّرات الفعليّة والمعرّفات الشأنيّة ، أو العكس.
فإن أرادوا المؤثّر والمعرّف الفعليّين كما هو الظاهر عن ظاهر كلماتهم فلا بدّ من القول بعدم جواز التداخل مطلقا.
أمّا على القول بأنّها مؤثّرات فلا متناع توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد ، وهو حصول المسبّب الشرعي الخاصّ.
وأمّا على القول بأنّها معرّفات فكذلك أيضا حرفا بحرف ، لوضوح أنّ المعرّف علّة للعلم بوجود الشيء مثلا كما أنّ المؤثّر علّة لوجوده ، فكما يمتنع اجتماع علّتين تامّتين على إيجاد الشيء فكذلك يستحيل اجتماع علّتين تامّتين على العلم بوجود الشيء.
وإن أرادوا المؤثّر والمعرّف الشأنيّين فلا ريب في جواز اجتماعهما على مسبّب واحد من غير فرق بين القول بأنّها مؤثّرات أو معرّفات.
وإن أرادوا المعرّف الفعلي والمؤثّر الشأني فعدم صحّة الابتناء أوضح من أن يوضح.
وإن أرادوا المعرّف الشأني والمؤثّر الفعلي فهو ـ مع أنّه خلاف ما يظهر من كلماتهم كالثاني والثالث ـ عبارة اخرى عن مسألتنا هذه ، وذلك لأنّ معنى قولهم : « هل الأسباب الشرعيّة مؤثّرات فعليّة أو معرّفات شأنية؟ » أنّها هل تجتمع بعضها مع بعض كما هو شأن المعرّف الشأني أو لا كما هو شأن المؤثّر الفعلي ، ومعرفة أنّها معرّفات شانيّة أو مؤثّرات فعليّة لا تحصل إلاّ بعد ملاحظة أدلّة النافين والمثبتين للتداخل ولا يبقى للابتناء المذكور وجه ، على أنّه لا ملازمة بين القول بأنّها معرّفات شأنيّة والقول بالتداخل.
الأمر الرابع : لا بأس بأن نتكلّم بعض الكلام فيما سبق الإشارة إليه من أنّ الأسباب الشرعيّة هل هي مؤثّرات أو معرّفات. فإنّ من أصحاب القول بالتداخل من استند إلى كونها معرّفات ، ومن شأن المعرّف جواز تعدّده من غير أن يتكثّر المعرّف ، ولم نعثر على مستند