خلوّه عن الأثر.
نعم هي إنّما ربّما تؤثّر في استمرار ذلك الأثر إذا كان ممّا زال عنه حال مصادفتها له أو بعدها استعداد البقاء.
ولا ريب أنّ ما ينشأ منها حينئذ من أثر البقاء والاستمرار ليس بعين الأثر السابق ولا جزئه ، بل هو أثر آخر مثل ذلك الأثر لحقه حين ارتفاعه بزوال استعداده للبقاء.
غاية الأمر اتّصال هذين الأثرين على نحو يخفى على الحسّ كونهما أثرين متفارقين ، فيتخيّل كونهما أثرا واحدا مستمرّا ولكنّ الواقع ليس كما يتخيّل ، فالعلّة الثانية حينئذ بالقياس إلى الأثر الأوّل لا مدخل لها فيه أصلا ، وبالقياس إلى الأثر الثاني علّة تامّة وسبب فعلي ، فلا يلزم كونها مع العلّة الاولى واردتين على معلول واحد ، بل إنّما وردتا على معلولين متّصلين قد يخفى على الحسّ كونهما مفارقين.
وأمّا الصورة الرابعة فلا مجال فيها للتأمّل في كون كلّ من العلّة السابقة واللاحقة علّة تامّة وسببا فعليّا واردا على محلّ فارغ عن الشاغل خال عن الأثر الحاصل مؤثّر فيه أثرا فعليّا مفارقا عن أثر الآخر في نظر الحسّ والعقل ، فلا يلزم في شيء من الصور توارد العلّتين التامّتين على معلول واحد.
وعلى هذا القياس حذو النعل بالنعل ما لو تصادف المعرّفات محلاّ واحدا بالقياس إلى ما ينشأ منهما من المعرفة والعلم ، وإن كان فرض الدفعة والمعيّة فيه ممّا لا يخلو عن إشكال ، بل هو في غاية الإشكال إن لم نقل بعدم كونه معقولا ، ضرورة أنّ محلّ العلم والمعرفة هو الذهن وهو غير قابل لأن يحصل فيه وسطان متغايران في آن واحد على سبيل الدفعة والمعيّة ، لأنّه حال اشتغاله بالانتقال إلى شيء لا يقدر على الانتقال إلى شيء آخر ، بل الانتقال إليه إن كان ولا بدّ منه فلا جرم يحصل له بعد الانصراف عن الانتقال إلى الشيء الأوّل كما يظهر بأدنى تأمّل. فتوارد المعرّفين على الذهن لا يتأتّى فرضه إلاّ في فروض التعاقب ، وهي لا تخلو عن الصور الثلاث من الصور المذكورة بل عن الصورتين الأخيرتين خاصّة كما لا يخفى.
فعليه نقول : إن كان الذهن بحيث صادفه المعرّف الثاني حال بقاء العلم والمعرفة الحاصلين عن المعرّف الأوّل فأيّ شيء يترتّب عليه من آثار التعريف؟ فإنّ تأثيره فيه مشروط بخلوّ الذهن عن المعرفة والمفروض خلافه ، وهل هو إلاّ كالحجر الموضوع في جنب الإنسان؟